Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 123-124)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } أي : ليس الأمر على شهواتكم وأمانيكم أيها المشركون أن تنفعكم الأصنام { وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } ولا على شهوات اليهود والنصارى حيث قالوا : { نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [ المائدة : 18 ] { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } أي : من المشركين وأهل الكتاب بدليل قوله : { وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } وهذا وعيد للكفار لأنه قال بعده : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } جملة حالية ، وَ ( من ) الأولى زائدة عند الأخفش ، وصفة عند سيبويه ، أي : شيئاً من الصالحات { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } أي : لا ينقص من حسناتهم قدر نقير ، وهو النقرة التي على ظهر النواة ، وهذا على سبيل المبالغة في نفي الظلم ، ووعد بتوفية جزاء أعمالهم من غير نقصان ، والراجع في : { وَلاَ يُظْلَمُونَ } لعمال السوء وعمال الصالحات جميعاً ، وجاز أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دليلاً على ذكره عند الآخر ، وقوله تعالى : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } وقوله : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ } بعد ذكر تمني أهل الكتاب كقوله سبحانه : { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ } [ البقرة : 81 ] وقوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ النساء : 122 ] عقيب قوله : { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] . تنبيه ما قدمناه من أن الخطاب في قوله تعالى : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ } للمشركين وأن قوله تعالى : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا } أي : من أهل الكتاب والمشركين - هو الذي يدل عليه سياق الآية ونظمها الكريم كما بينا . ورواه الطبرانيّ عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ، قال الأولان رضي الله عنهما : ( السوء ) ههنا هو الشرك . وقال الحسن : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا } هو الكافر ، ثم قرأ : { وَهَلْ نُجَٰزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } [ سبأ : 17 ] . ولما كان لعموم هذا الخطاب روعة ، وأيّ روعة ، أشفق كثير من الصحابة لأجله . قال ابن كثير : وقد روي أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على كثير من الصحابة . قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا إسماعيل عن أبي بكر بن أبي زهير قال : أخبرت أن أبا بكر رضي الله عنه قال : يا رسول الله ! كيف الفلاح بعد هذه الآية : { لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } ، فكل سوء عملناه جزينا به ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " " غفر الله لك ، يا أبا بكر ، ألست تمرض ؟ ألست تنصب ؟ ألست تحزن ؟ ألست تصيبك اللأواء " . قال : بلى قال : " هو مما تجزون به " " . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما نزلت : { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } شق ذلك على المسلمين ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سددوا وقاربوا ، فإن في كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها ، والنكبة ينكبها " ، رواه سعيد بن منصور وأحمد ومسلم والترمذيّ والنسائيّ . وقال عطاء بن يسار عن أبي سعيد وأبي هريرة إنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما يصيب المسلم من نصب ، ولا وصب ، ولا سقم ، ولا حزن ، حتى الهم يهمه إلا كفر الله عن سيئاته " أخرجاه . وروى ابن مردويه عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس قال : " قيل يا رسول الله ! من يعمل سوءاً يجز به . قال : " نعم ، ومن يعمل حسنة يجز بها عشراً ، فهلك من غلب واحدتهُ عشراته " " .