Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 128-128)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا } أي : زوجها { نُشُوزاً } : أي : تجافياً عنها وترفعاً عن صحبتها ، بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها { أَوْ إِعْرَاضاً } أي : تطليقاً ، أو أن يقلّ محادثتها ومجالستها ، كراهة لها أو لطموح عينه إلى أجمل منها { فَلاَ جُنَاْحَ } أي : لا إثم { عَلَيْهِمَآ } حينئذ { أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً } بحط شيء من المهر أو النفقة . أو هبة شيء من مالها أو قَسْمِها ، طلباً لبقاء الصحبة إن رضيت بذلك ، وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها . قال في ( الإكليل ) : الآية أصل في هبة الزوجة حقها من القَسْم وغيره ، استدل به من أجاز لها بيع ذلك . { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } أي : من الفرقة والنشوز والإعراض . قال ابن كثير : بل الطلاق بغيض إليه سبحانه وتعالى ، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " قال بعض مفسري الزيدية : وفي هذه الآية حث على الصبر على نفس الصحبة ، لقوله تعالى : { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } أي : من الفرقة وسوء العشرة ، أو خير من الخصومة ، أو خير من الخيور ، كما أن الخصومة شر من الشرور ، وقد كان من كرم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكرم صواحب خديجة بعد موتها ، وعنه صلى الله عليه وسلم : " إنه من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه " ، وهذا فيه صبر ، وفي الصبر ما لا يحصر من المحاسن والفضائل ، والصلح فيه من أنواع الترغيب . روى عنه صلى الله عليه وسلم : " من أصلح بين اثنين استوجب ثواب شهيد " ، وعن أنس : " من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة " انتهى . وفي ( الإكليل ) : قوله تعالى : { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } عام في كل صلح ، أصل فيه . وفي الحديث : " الصلح جائز بين المسلمين ، إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً " واستدل بعموم الآية من أجاز الصلح على الإنكار والمجهول { وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ } بيان لما جبل عليه الإنسان ، أي : جعلت حاضرة له مطبوعة عليه ، لا تنفك عنه أبداً ، فلا تكاد المرأة تسمح بالنشوز ، والإعراض ، وحقوقها من الرجل ، ولا الرجل في إمساكها مع القيام بحقوقها على ما ينبغي ، إذا كرهها أو أحب غيرها ، والجملة الأولى للترغيب في المصالحة ، والثانية لتمهيد العذر في المشاحة وللحث على الصلح ، فإن شح نفس الرجل وعدم ميلها عن حالتها الجبليّة بغيرها استمالة ، مما يحمل المرأة على بذل بعض حقوقها إليه لاستمالته ، وكذا شح نفسها بحقوقها مما يحمل الرجل على أن يقتنع من قِبَلِها بشيء يسير ، ولا يكلفها بذل الكثير ، فيتحقق بذلك الصلح { وَإِن تُحْسِنُواْ } في العشرة { وَتَتَّقُواْ } النشوز والإعراض ونقص الحق { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ } من تحمل المشاق في ذلك { خَبِيراً } فيجازيكم ويثيبكم ، قال أبو السعود : وفي خطاب الأزواج بطريق الالتفات ، والتعبير عن رعاية حقوقهن بالإحسان ، ولفظ ( التقوى ) المنبئ عن كون النشوز والإعراض مما يتوقى منه ، وترتيب الوعد الكريم عليه - من لطف الاستمالة والترغيب في حسن المعاملة ، ما لا يخفى . وما قدمنا في تفسير الآية هو زبدة ما نقل عن السلف ، صحابة وتابعين في معناها . قال ابن كثير : ولا أعلم في ذلك خلافاً . وفي البخاريّ عن عائشة ، في هذه الآية قالت : الرجل تكون عنده المرأة المسنة ، ليس بمستكثر منها ، يريد أن يفارقها ، فتقول : أجعلك من شأني في حلّ . فنزلت هذه الآية . وروى ابن أبي حاتم عن خالد بن عرعرة قال : جاء رجل إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فسأله عن قول الله عز وجل : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ … } الآية ، قال عليّ : يكون الرجل عنده المرأة ، فتنبو عينه عنها من دمامتها ، أو كبرها ، أو سوء خلقها ، أو قذذها ، فتكره فراقه ، فإن وضعت له من مهرها شيئاً ، حلّ له وإن جعلت له من أيامها ، فلا حرج . وكذا رواه أبو داود الطيالسيّ وابن جرير . وروى ابن جرير أيضاً عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن هذه الآية فقال : هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها ، فيتزوج المرأةَ الشابة يلتمس ولدها ، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز ، وروى سعيد بن منصور عن عروة قال : أنزل في سودة وأشباهها : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ } الآية وذلك أن سودة كانت امرأة قد أسنت ، ففرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وضنّت بمكانها منه وعرفت من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ومنزلتها منه ، فوهبت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى نحوه أبو داود الطيالسيّ والترمذيّ عن ابن عباس . وروى الحاكم عن عروة عن عائشة أنها قالت له : يا ابن أختي ! كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضَّل بعضنا على بعض في القَسْمِ من مكثه عندنا ، وكان قلَّ يوم إلا وهو يطوف علينا ، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس ، حتى يبلغ إلى من هو يومها ، فيبيت عندها ، ولقد قالت سودة بنت زمعة ، حين أسنّت وفرِقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! يومي هذا لعائشة ، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، قالت : نقول في ذلك أنزل الله تعالى ، وفي أشباهها ، أراه قال : { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً … } الآية . وكذلك رواه أبو داود ، وفي الصحيحين عن عائشة قالت : لما كبرت سودة بنت زمعة ، وهبت يومها لعائشة ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيوم سودة . ولا يخفى أن قبوله صلى الله عليه وسلم ذلك من سودة ، إنما هو لتتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه ، فهو أفضل في حقه عليه الصلاة والسلام . وقول بعض المفسرين في هذه القصة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عزم على طلاق سودة - باطل وسوء فهم من القصة ، إذ لم يُرْوَ عزمه صلى الله عليه وسلم على ذلك ، لا في الصحاح ولا في السنن ولا في المسانيد ، غاية ما روي في السنن ؛ أن سودة خشيت الفراق لكبرها ، وتوهمته ، وجليّ أن للنساء في باب الغَيرة أوهاماً منوعة ، فتقدمت للنبيّ صلى الله عليه وسلم بقبول ليلتها لعائشة ، فقبل منها . وما رواه ابن كثير عن بعض المعاجم من كونه صلى الله عليه وسلم بعث إليها بطلاقها ، ثم ناشدته فراجعها - فهو ( زيادة عن إرساله وغرابته ، كما قاله ) فيه نكارة لا تخفى . لطيفة حكى الزمخشريّ هنا ؛ أن عِمران بن حطان الخارجيّ كان من أدمّ بني آدم ، وامرأتُه من أجملهم ، فأجالت في وجهه نظرها يوماً ، ثم تابعت الحمد لله ، فقال : مالك ؟ قال : حمدت الله على أني وإياك من أهل الجنة ، قال : كيف ؟ قالت : لأنك رزقت مثلي فشكرتَ ، ورزقت مثلك فصبرتُ ، وقد وعد الله الجنة ، عباده الشاكرين والصابرين . انتهى . قلت : عِمران المذكور ممن خرّج له البخاريّ في صحيحه ، ولما مات سئلت زوجته عن ترجمته ؟ فقالت : أوجز أم أطنب ؟ فقيل : أوجزي ، فقالت : ما قدمت له طعاماً بالنهار ، وما مهدت له فراشاً بالليل ، تعني أنه كان صوّاماً قواماً رحمه الله تعالى .