Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 137-137)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } في الآية وجوه : الأول : أن المراد الذين تكرر منهم الارتداد ، وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه ، يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ويستوجبون اللطف ، من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله ، لأن قول أولئك الذين هذا ديدنهم ، قلوب قد ضَرِبَتْ بالكفر ومرنت على الردّة ، وكان الإيمان أهون شيء عندهم وأدونه حيث يبدو لهم فيه كرة بعد أخرى ، وليس المعنى أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردة ، ونصحت توبتهم ، لم يقبل منهم ولم يغفر لهم ، لأن ذلك مقبول ، حيث هو بذلٌ للطاقة واستفراغ الوسع ، ولكنه استبعاد له واستغراب ، وإنه أمر لا يكاد يكون ، وهكذا نرى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع ، ثم يتوب ثم يرجع ، فإنه لا يكاد يرجى منه الثبات ، والغالب أنه يموت على الفسق ، فكذا هنا . الثاني : قال بعضهم : هم اليهود ، آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا حين عبدوا العجل ، ثم آمنوا بعد عوده إليهم ثم كفروا بعيسى والإنجيل ، ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أورد على هذا الوجه أن الذين ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم ليسوا مؤمنين بموسى ، ثم كافرين بالعجل ، ثم مؤمنين بالعوْد ، ثم كافرين بعيسى ، بل هم إما مؤمنون بموسى وغيره ، أو كفار لكفرهم بعيسى والإنجيل ، والجواب : أن هذا إنما يردُ لو أريد قوم بأعيانهم : كالموجودين وقت البعثة ، أما لو أريد جنس ونوع ، باعتبار عدّ ما صدر من بعضهم كأنّه صدر من كلهم ، فلا إيراد ، والمقصود حينئذ استبعاد إيمانهم لما استقر منهم ومن أسلافهم . الثالث : قال آخرون : المراد المنافقون ، فالإيمان الأول وإظهارهم الإسلام ، وكفرهم بعد ذلك هو نفاقهم ، وكون باطنهم على خلاف ظاهرهم ، والإيمان الثاني هو أنهم كلما لقوا جمعاً من المسلمين قالوا : إنا مؤمنون ، والكفر الثاني هو أنهم : { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } [ البقرة 14 ] ، وازديادهم في الكفر هو جدهم واجتهادهم في استخراج أنواع المكر والكيد في حق المسلمين ، وإظهار الإيمان قد يسمى إيماناً ، قال تعالى : { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } [ البقرة : 221 ] . قال القفال رحمه الله : وليس المراد بيان هذا العدد ، بل المرادّ ترددهم ، كما قال : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ } [ النساء : 143 ] قال : والذي يدل عليه ، قوله تعالى بعد هذه الآية : { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ } [ النساء : 138 ] . الرابع : قال قوم : المراد طائفة من أهل الكتاب قصدوا تشكيك المسلمين فكانوا يظهرون الإيمان تارة والكفر تارة أخرى ، على ما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا : { آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ آل عمران : 72 ] ، وقوله : { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } معناه أنهم بلغوا في ذلك إلى حد الاستهزاء والسخرية بالإسلام . نقل هذه الوجوه الزمخشريّ والرازيّ وغيرهما ، وكلها مما يشمله لفظ الآية . تنبيه في الآية مسائل : الأولى : قال في ( الإكليل ) : استدل بها من قال : تقبل توبة المرتد ثلاثاً ، ولا تقبل في الرابعة . وقال بعض الزيدية في ( تفسيره ) : دلت على أن توبة المرتد تقبل ، لأنه تعالى أثبت إيماناً بعد كفر ، تقدمه إيمان . وأقول : دلالتها على ذلك في صورة عدم تكرار الردة ، وأما معه ، فلا ، كما لا يخفى . ثم قال : وعن إسحاق : إذا ارتد في الدفعة الثالثة لم تقبل توبته ، وهي رواية الشعبيّ عن عليّ عليه السلام . انتهى . وذهبت الحنابلة إلى أن من تكررت ردته لم تقبل توبته ، كما أسلفنا ذلك في آل عمران في قوله تعالى : { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً … } [ آل عمران : 86 ] ، الآية . وقوله بعدها : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً … } [ آل عمران : 90 ] ، وذكرنا ، ثمة ، أن هذه الآية كتلك الآية ، وأن ظاهرهما يشهد لما ذهب إليه إسحاق وأحمد ، وأما الوجوه المسوقة هنا فهي من تأويل أكثر العلماء القائلين بقبول توبة المرتد ، وإن تكررت ، وبعدُ ، فالمقام دقيق ، والله أعلم . الثانية : دلت على أن الكفر يقبل الزيادة والنقصان ، فوجب أن يكون الإيمان نصّاً كذلك لأنهما ضدان متنافيان ، فإذا قبل أحدهما التفاوت ، قبله الآخر .