Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 149-149)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِن تُبْدُواْ خَيْراً } أي : طاعة وبرّاً : { أَوْ تُخْفُوهُ } أي : تعلموه سرّاً { أَوْ تَعْفُواْ } أي : تتجاوزوا { عَن سُوۤءٍ } أي : ظلم { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } أي : يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام ، فعليكم أن تقتدوا بسنة الله بالعفو مع القدرة ، فثمرة هذه الآية : الحث على العفو ، وألا يجهر أحد لأحد بسوء ، وإن كان على وجه الانتصار ، حملاً على مكارم الأخلاق ، وإنما كان المقصود العفو لأن ما قبلها في ذكر السوء والجهر به ، فمقتضى السياق : لا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظلم ، فإن عفا المظلوم عنه ، ولم يدعُ على ظالمه ويتظلم منه ، فإن الله عفوّ قدير ، وإنما ذكر قبله إبداء الخير وإخفاءه توطئة للعفو عن السوء ، لأنه يعلم من مدح حاليِ الخير : السر والعلانية ، أن السوء ليس كذلك جهراً وإخفاءً ، فينبغي العفو عنه وتركه ، وإنما عطف ( العفو ) بـ ( أو ) مع دخوله في الخير بقسميه ، للاعتداد به ، والتنبيه على منزلته ، وكونه من الخير بمكان مرتفع ، وليس المراد أنه حينئذ هو المقصود وأنه من قبيل : { وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ } [ البقرة : 98 ] ، لأن مثله بعطف بالواو لا بـ ( أو ) ولذا حمل الخير على الطاعة والبر مما هو عبادة فعلية ، لتغاير العفو ، فالمراد بالتوطئة ذكر ما هو مناسب وقدم عليه ، كذا في ( العناية ) : قال ابن كثير : ورد في الأثر : " أن حملة العرش يسبحون الله ، فيقول بعضهم : سبحانك على حلمك بعد علمك ، ويقول بعضهم : سبحانك على عفوك بعد قدرتك " وفي الحديث الصحيح : " ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزّاً ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " . وقال الرازيّ : اعلم أن معاقد الخير على كثرتها محصورة في أمرين : صدق مع الحق وخُلق مع الخلق ، والذي يتعلق مع الخَلق محصور في قسمين : إيصال نفع إليهم ، ودفع ضرر عنهم ، ققوله : { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ } إشارة إلى إيصال النفع إليهم . وقوله : { أَوْ تَعْفُواْ } إشارة إلى دفع الضرر عنهم ، فدخل في هاتين الكلمتين جميع أنواع الخير وأعمال البر . ثم نزل في اليهود إلى أواخر السورة . قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ … } .