Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 155-155)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } ( ما ) مزيدة للتأكيد ، أو نكرة تامة ، و { نَقْضِهِم } بدل منها ، والباء متعلقة بفعل محذوف ، أي : فبسبب نقضهم ميثاقهم الذي أخذ عليهم ، فعلنا بهم ما فعلنا من اللعن والمسخ وغيرهما من العقوبات النازلة عليهم ، أو على أعقابهم { وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ } أي : حججه وبراهينه والمعجزات التي شاهدوها على يد الأنبياء عليهم السلام : { وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ } كزكريا ويحيى عليهما السلام . قال العلامة البقاعي : وهو أعظم من مطلق كفرهم ، لأن ذلك سدٌّ لباب الإيمان عنهم وعن غيرهم ، لأن الأنبياء سبب الإيمان ، ولما كان الأنبياء معصومين من كل نقيصة ، ومبرأين من كل دنية ، لا يتوجه عليهم حق لا يؤدونه ، قال تعالى : { بِغَيْرِ حَقٍّ } أي : كبير ولا صغير أصلاً ، وهذا الحرف لكونه في سياق طعنهم في القرآن ، الذي هو أعظم الآيات ، وقع التعبير فيه بأبلغ مما في آل عمران ، لأن هذا مع جمع الكثرة ، وتنكير الحق ، عبر فيه بالمصدر ، المفهم لأن الاجتراء على القتل صار لهم خلقاً وصفة راسخة ، بخلاف ما مضى ، فإنه بالمضارع الذي ربما دل على العروض ، ثم ذكر أعظم من ذلك كله وهو إسنادهم عظائمهم إلى الله تعالى فقال : { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } جمع ( أغلف ) أي : هي مغشاة بأغشية جبليّة لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ … } [ فصلت : 5 ] فلا ذنب لنا : لأن قلوبنا خلقت بعيدة عن فهم ما يقول الأنبياء ، وذلك سبب قتلهم ورد قولهم ، وهذا بعد أن كانوا يقرون بهذا النبيّ الكريم ويشهدون له بالرسالة ، وبأنه خاتم الأنبياء ، ويصفونه بأشهر صفاته ويترقبون إتيانه ، لا جرم رد الله عليهم بقوله ، عطفاً على ما تقديره ( وقد كذبوا ) لأنهم ولدوا على الفطرة كسائر الولدان فلم تكن قلوبهم في الأصل غلفاً { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } أي : ليس كفرهم ، وعدم وصول الحق إلى قلوبهم لكونها غلفاً بحسب الجبلة ، بل الأمر بالعكس ، حيث ختم الله عليها بسبب كفرهم ، لأنه خلقها أولاً على الفطرة متمكنة من اختيار الخير والشر ، فلما أعرضوا بما هيأ قلوبهم له من قبول النقص عن الخير ، واختاروا الشر باتباع شهواتهم الناشئة من نفوسهم ، وتركوا ما تدعو إليه عقولهم ، طبع سبحانه عليهم فجعلها قاسية محجوبة ، ولذا سبب عنه قوله : { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } منهم ، كعبد الله بن سلام وأضرابه ، أو : إلا إيماناً قليلاً لا يعبأ به لتمرن قلوبهم على الكفر والطغيان .