Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 162-162)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ } أي : الثابتون في العلم المستبصرون فيه ، كعبد الله بن سلام . قال الرازي : الراسخون في العلم : الثابتون فيه ، وهم في الحقيقة المستدلون ، لأن المقلد يكون بحيث إذا شُكُكَ يَشُكّ ، وأما المستدل فإنه لا يتشكك ألبتة ، فالراسخون هم المستدلون . { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } أي : من الأميين اللاحقين بهم في الرسوخ بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ } من القرآن { وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } على سائر الأنبياء لاطلاعهم على كمالات المنزل عليك وأنه صدق ما أنزل من قبلك ، فلا بد من الإيمان به أيضاً { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } قال ابن كثير : هكذا هو في مصاحف الأئمة ، وكذا هو في مصحف أبيّ بن كعب . قال الزمخشريّ : ارتفاع { ٱلرَّاسِخُونَ } على الابتداء ، و { يُؤْمِنُونَ } خبره { وَٱلْمُقِيمِينَ } نصب على المدح ، لبيان فضل الصلاة ، وهو باب واسع قد كسره سيبويه على أمثلة وشواهد . ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف . وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب ، ولم يعرف مذاهب العرب ، وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان ، وغبي عليه أن السابقين الأولين ، الذين مَثَلُهُم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ، كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام ، وذب المطاعن عنه ، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم ، وخرقاً يرفوه من يلحق بهم . وقيل : هو عطف على : { بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ } أي يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة وهم الأنبياء . وفي مصحف عبد الله ( والمقيمون ) بالواو . وهي قراءة مالك بن دينار والجحدريّ وعيسى الثقفيّ . انتهى . وجوز عطف { ٱلْمُقِيمِينَ } على الضمير في { مِنْهُمْ } وعطفه على الضمير في { إِلَيكَ } ، والكتاب أنزل للنبيّ ولأتباعه ، قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [ يونس : 57 ] كذا في حواشي الشذور ، وقد أشار الزمخشريّ بقوله ( كانوا أبعد همة ) إلى ردّ ما نقل ، أن عثمان رضي الله عنه ، لما فرغ من المصحف أتى به إليه ، فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها ، ولو كان المُمْلي من هذيل ، والكاتب من قُريش ، لم يوجد فيه هذا . قال الحافظ السخاويّ : هذا الأثر ضعيف ، والإسناد فيه اضطراب وانقطاع ، لأن عثمان رضي الله عنه جُعِل للناس إماما يقتدرون به ، فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها ؟ وقد كتب مصاحف سبعة وليس فيها اختلاف قط ، إلا فيما هو من وجوه القراءات ، وإذا لم يقمه هو ومن باشر الجمع ، كيف يقيمه غيرهم ؟ وتأول قوم اللحن في كلامه ( على تقدير صحته عنه ) بأن المراد الرمز والإيماء كما في قوله : @ مَنْطِقٌ رائع وتلحن أحيا ناً ، وخير الكلام ما كان لحنَا @@ أي : المراد به الرمز ، بحذف بعض الحروف خطّاً ، كألف ( الصّابرين ) مما يعرفه القراء إذا رأوه ، وكذا زيادة بعض الحروف ، كذا في ( عناية الراضي ) { وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } رفعه بالعطف على { ٱلرَّاسِخُونَ } أو على الضمير في { يُؤْمِنُونَ } أو على أنه مبتدأ ، والخبر { أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ } والوجوه المذكورة تجري في { ٱلْمُقِيمِينَ } على قراءة الرفع { وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } يعني : والمصدقون بوحدانية الله تعالى وبالبعث بعد الموت وبالثواب والعقاب ، وإنما قدم الإيمان بالأنبياء والكتب وما يصدقه من اتباع الشرائع ، لأنه المقصود في هذا المقام ، لأنه لبيان حال أهل الكتاب وإرشادهم ، وهم كانوا يؤمنون ببعض ذلك ويتركون بعضه ، فبين لهم ما يلزمهم ويجب عليهم { أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } يعني : الجنة ، لجمعهم بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح . لطيفة في الآية وجوه من الإعراب : أحسنها ما اعتمده أبو السعود ، من أن جملة : { أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ } إلخ خبر للمبتدأ الذي هو { ٱلرَّاسِخُونَ } وما عطف عليه ، وأن جملة { يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ } إلخ حال من { ٱلْمُؤْمِنُونَ } مبينة لكيفية إيمانهم ، أو اعتراض مؤكد لما قبله . قال : وهذا أنسب بتجاوب طرفي الاستدراك حيث أُوعد الأولون بالعذاب الأليم ووُعِد الآخرون بالأجر العظيم ، كأنه قيل إِثْرَ قوله تعالى : { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ النساء : 161 ] لكن المؤمنون منهم سنؤتيهم أجراً عظيما ، وأما ما جنح إليه الجمهور من جعل قوله تعالى : { يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ } إلخ خبراً للمبتدأ ، ففي كمال السداد ، خلا أنه غير متعرض لتقابل الطرفين .