Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 176-176)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَسْتَفْتُونَكَ } أي : في ميراث الكلالة ، استغنى عن ذكره لوروده في قوله سبحانه { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } وقد مر تفسيرها في مطلع السورة الكريمة . والمستفتي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما . روى الشيخان وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال : دخل عليّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا مريض ، فتوضأ فصب عليّ أو قال : صبوا عليه فعقلت فقلت : لا يرثنى إلا كلالة ، فكيف الميراث ؟ فنزلت آية الفرائض . { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ } أي : مات ، واختصاص الهلاك بميتة السوء عُرْفٌ طارئ لا يعتد به ، بدليل ما لا يحصى من الآي والأحاديث ، ولطروّ هذا العرف قال الشهاب في ( شرح الشفاء ) : إنه يمنع إطلاقه في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ولا يعتدّ بأصل اللغة القديمة ، كما لا يخفى عمن له مساس بالقواعد الشرعية والله أعلم ، كذا في ( تاج العروس ) . { لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } أي : الميت ، من المال . قال ابن كثير : تمسك به من ذهب إلى أنه ليس من شرط الكلالة انتفاء الوالد ، بل يكفي في وجود الكلالة انتفاء الولد ، وهو رواية عن عمر بن الخطاب ، رواها ابن جرير عنه بإسناد صحيح ، ولكن الذي يرجع إليه ، قول الجمهور . وقضى الصديق رضي الله عنه ؛ أنه الذي لا ولد له ولا والد ، ويدل على ذلك قوله : { وَلَهُ أُخْتٌ } ولو كان معها أب لم ترث شيئاً ، لأنه يحجبها بالإجماع ، فدل على أنه من لا ولد له بنص القرآن ، ولا والد بالنص أيضاً ، عند التأمل أيضاً ، لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد ، بل ليس لها ميراث بالكلية . وروى الإمام أحمد عن زيد بن ثابت أنه سئل عن زوج وأخت لأب وأم ؟ فأعطى الزوج النصف ، والأخت النصف . فكلم في ذلك فقال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بذلك . وقد نقل ابن جرير وغيره عن ابن عباس وابن الزبير أنهما كانا يقولان ( في الميت ترك بنتاً وأختاً ) : أنه لا شيء للأخت لقوله { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } ، قال : فإذا ترك بنتاً فقد ترك ولداً فلا شيء للأخت . وخالفهما الجمهور فقالوا ( في هذه المسألة ) : للبنت النصف بالفرض ، وللأخت النصف الآخر بالتعصيب ، بدليل غير هذه الآية ، وهذه نقصت أن يفرض لها في هذه الآية ، وأما وراثتها بالتعصيب ، فلما رواه البخاريّ من طريق سليمان عن إبراهيم عن الأسود قال : قضى فينا معاذ بن جبل ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، النصف للبنت والنصف للأخت ، ثم قال سليمان ( قضى فينا ) ولم يذكر ( على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وفي صحيح البخاري أيضاً عن هزيل بن شرحبيل قال : سئل أبو موسى الأشعريّ عن بنت ، وبنت ابن ، وأخت ؟ فقال : للبنت النصف ، وللأخت النصف ، وائت ابن مسعود فسيتابعني ، فسأل ابن مسعود فأخبره بقول أبي موسى فقال : لقد ضللتُ إذاً وما أنا من المهتدين . أقضى فيها بما قضى النبيّ صلى الله عليه وسلم : النصف للبنت . ولبنت الابن السدس ، تكملة للثلثين . وما بقي فللأخت . فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال : لا تسألوني ما دام هذا الخبر فيكم . وقوله : { وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ } أي : والأخ يرث جميع مالها إذا ماتت كلالة ، وليس لها ولد . أي : ولا والد ، لأنها لو كان لها ولد لم يرث الأخ شيئاً ، فإن فرض أن معه من له فرض ، صرف إليه فرضه ، كزوج أو أخ من أم ، وصرف الباقي إلى الأخ . لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما أبقت الفرائض فلأَوْلى رجل ذكر " وقوله تعالى : { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } أي : فإن كان ، لمن يموت كلالة ، أختان - فرض لهما الثلثان ، وكذا ما زاد على الأختين في حكمهما ، ومن ههنا أخذ الجماعة حكم البنتين ، كما استفيد حكم الأخوات من البنات في قوله : { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } [ النساء : 11 ] . قوله تعالى : { وَإِن كَانُوۤاْ } أي : من يرث بطريق الأخوة : { إِخْوَةً } أي : مختلطة { رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ } أي : منهم { مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ } أي : مثل نصيب اثنتين من أخواته الإناث { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } أي : كراهة أن تضلوا في ذلك ، أو على تقدير ( اللام ولا ) في طرفي ( أَنْ ) أي : لئلا تضلوا ، وقيل : ليس هناك حذف ولا تقدير ، وإنما هو مفعول ( يبين ) أي : يبين لكم ضلالكم الذي هو من شأنكم إذا خليتم وطباعكم ، لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه ، ورجحه بعضهم أنه من حسن الختام ، والالتفات إلى أول السورة وهو : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } [ النساء : 1 ] فإنه أمرهم بالتقوى ، وبين لهم ما كانوا عليه في الجاهلية ، ولما تم تفصيله قال لهم : إني بينت لكم ضلالكم فاتقوني كما أمرتكم ، فإن الشر إذا عرف اجتنب ، والخير إذا عرف ارتكب . قال العلامة أبو السعود : وأنت خبير بأن ذلك إنما يليق بما إذا كان بيانه تعالى على طريقة تعيين مواقع الخطأ والضلال ، من غير تصريح بما هو الحق والصواب وليس كذلك . { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ } من الأشياء التي من جملتها أحوالكم المتعلقة بمحياكم ومماتكم { عَلِيمٌ } مبالغ في العلم ، فيبين لكم ما فيه مصلحتكم ومنفعتكم . تنبيهات الأول : اعلم أنه تعالى لما بين في أول السورة أحكام الأموال ، ختم آخرها بذلك أيضاً ، ليكون الآخر مشاكلا للأول ، وأما وسط السورة فقد اشتمل على المناظرة مع الفرق المخالفة للدين . الثاني : أنزل في الكلالة آيتان : إحداهما في الشتاء ، وهي التي في أول هذه السورة ، والأخرى في الصيف وهي هذه الآية ، ولهذا تسمى هذه الآية آية الصيف . الثالث : روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : آخر سورة نزلت براءة ، وآخر آية نزلت : { يَسْتَفْتُونَكَ } ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، وهو الموفق والمعين . وقد تم بحمده تعالى ما تيسر من ( محاسن تأويل ) هذه السورة الكريمة ضحوة الجمعة ، غرة صفر الخير عام ( 1320 ) في السدّة اليمنى العليا من جامع السنانية . على يد كاتبه وجامع العبد الضعيف الذليل الجهول ، محمد جمال الدين القاسميّ ، غفر المولى له وأعانه على الإتمام بمنه وكرمه ويليه الجزء الرابع ، وأوله : ( سورة المائدة ) .