Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 34-34)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } جمع قوام ، وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب ، أي مسلطون على أدب النساء يقومون عليهن ، آمرين ناهين ، قيام الولاة على الرعية ، وذلك لأمرين : وهبيّ وكسبيّ . أشار للأول بقوله تعالى : { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } والضمير للرجال والنساء جميعاً ، يعني إنما كانوا مسيطرين عليهن بسبب تفضيل الله بعضهم ، وهم الرجال ، على بعض وهم النساء ، وقد ذكروا في فضل الرجال ، العقل والحزم والعزم والقوة والفروسية والرمي ، وإن منهم الأنبياء وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والشهادة في مجامع القضايا ، والولاية في النكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج ، وزيادة السهم والتعصيب ، وهم أصحاب اللحى والعمائم ، والكامل بنفسه له حق الولاية على الناقص . وأشار للثاني بقوله سبحانه : { وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ } في مهورهن ونفقاتهن فصرن كالأرقاء ، ولكون القوامين في معنى السادات وجبت عليهن طاعتهم ، كما يجب على العبيد طاعة السادات . وروى ابن مردويه عن عليّ رضي الله عنه قال : " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الأنصار بامرأة ، فقالت : يا رسول الله ! إن زوجها فلان بن فلان الأنصاريّ ، وإنه ضربها فأثر في وجهها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس له ذلك " . فأنزل الله تعالى : { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } في الأدب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أردت أمرا وأراد الله غيره " ، ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم مرسلاً من طرق . قال السيوطيّ : وشواهده يقوي بعضها بعضاً ، وقال عليّ بن أبي طلحة في هذه الآية عن ابن عباس : يعني أمراء عليهن ، أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعة ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله . وروى الترمذيّ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " { فَٱلصَّٰلِحَٰتُ } أي : من النساء . { قَٰنِتَٰتٌ } أي : مطيعات لله في أزواجهن { حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ } قال الزمخشري : الغيب خلاف الشهادة ، أي حافظات لمواجب الغيب ، إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن ، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة ، من الفروج والأموال والبيوت { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } أي : بحفظ الله إياهن وعصمتهن بالتوفيق لحفظ الغيب ، فالمحفوظ من حفظه الله ، أي : لا يتيسر لهن حفظ إلا بتوفيق الله ، أو المعنى : بما حفظ الله لهن من إيجاب حقوقهن على الرجال ، أي : عليهن أن يحفظن حقوق الزوج في مقابلة ما حفظ الله حقوقهن على أزواجهن ، حيث أمرهم بالعدل عليهن وإمساكهن بالمعروف وإعطائهن أجورهن ، فقوله : { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } ، يجري مجرى ما يقال : هذا بذاك ، أي : في مقابلته . وجعل المهايميّ الباء للاستعانة حيث قال : مستعينات بحفظه مخافة أن يغلب عليهن نفوسهن ، وإن بلغن من الصلاح ما بلغن . انتهى . وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعاً : " خير النساء امرأة إذا نظرتَ إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت حفظتك في نفسها ومالك " ، قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } ، إلى آخرها . وروى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت " . تنبيه : قال السيوطيّ في ( الإكليل ) : في قوله تعالى : { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ } : إن الزوج يقوم بتربية زوجته وتأديبها ومنعها من الخروج وإن عليها طاعته إلا في معصية ، وإن ذلك لأجل ما يجب لها عليه من النفقة ، ففهم العلماء من هذا أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها ، وسقط ما له من منعها من الخروج . واستدل بذلك من أجاز لها الفسخ حينئذ ، ولأنه إذا خرج من كونه قواماً عليها فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح . واستدل بالآية من جعل للزوج الحجر على زوجته في نفسها ومالها ، فلا تتصرف فيه إلا بإذنه ، لأنه جعله ( قواماً ) بصيغة المبالغة ، وهو الناظر في الشيء الحافظ له . واستدل بها على أن المرأة لا تجوز أن تلي القضاء كالإمامة العظمى ، لأنه جعل الرجال قوامين عليهن ، فلم يجز أن يقمن على الرجال . انتهى . { وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } أي : عصيانهن وسوء عشرتهن وترفعهن عن مطاوعتكم ، من ( النشز ) وهو ما ارتفع من الأرض يقال : نشزت المرأة بزوجها وعلى زوجها : استعصت عليه ، وارتفعت عليه وأبغضته ، وخرجت عن طاعته { فَعِظُوهُنَّ } أي : خوفوهن بالقول ، كاتقي الله ، واعلمي أن طاعتك لي فرض عليك ، واحذري عقاب الله في عصياني ، وذلك لأن الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته ، وحرم عليها معصيته ، لما له عليها من الفضل والإفضال ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " رواه الترمذيّ ، عن أبي هريرة والإمام أحمد عن معاذ ، والحاكم عن بريدة . وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت ، فبات غضبان عليها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح " ، ورواه مسلم ، ولفظه : " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح " . { وَٱهْجُرُوهُنَّ } بعد ذلك إن لم ينفع الوعظ والنصيحة . { فِي ٱلْمَضَاجِعِ } أي : المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف . ولا تباشروهن ، فيكون كناية عن الجماع . قال حماد بن سلمة البصريّ : يعني النكاح ، وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : الهجر : هو ألا يجامعها ، ويضاجعها على فراشها ، ويوليها ظهره ، وكذا قال غير واحد . وزاد آخرون منهم السدّي والضحاك وعكرمة وابن عباس ( في رواية ) : ولا يكلمها مع ذلك ولا يحدثها ، وقيل : المضاجع المبايت ، أي : لا تبايتوهن . وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيريّ أنه قال : يا رسول الله : " ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : " أن تطعمها إذا طمعتَ ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت " { وَٱضْرِبُوهُنَّ } إن لم ينجع ما فعلتم من العظمة والهجران ، ضرباً غير مبرح أي شديد ولا شاق ، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع : " واتقوا الله في النساء ، فإنهن عوان عندكم ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه . فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح " . قال الفقهاء : هو ألا يجرحها ، ولا يكسر لها عظماً ولا يؤثر شيناً ويجتنب الوجه لأنه مجمع المحاسن ، ويكون مفرقا على بدنها ، ولا يوالي به في موضع واحد لئلا يعظم ضرره ، ومنهم من قال : ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف ، أو بيده ! لا بسوط ولا عصا ، قال عطاء : ضرب بالسواك . قال الرازي : وبالجملة ، فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه ، والذي يدل عليه أنه تعالى ابتدأ بالوعظ ، ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع ، ثم ترقى منه إلى الضرب ، وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الأخف ، وجب الإكتفاء به ، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق ، وهذه طريقة من قال : حكم هذه الآية مشروع على الترتيب ، فإن ظاهر اللفظ ، وإن دل على الجمع ، إلا أن فحوى الآية يدل على الترتيب . قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يهجرها في المضجع ، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح ، ولا تكسر لها عظما ، فإن أقبلت وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية . وقال آخرون : هذا الترتيب مراعى عند خوف النشوز ، أما عند تحققه فلا بأس بالجمع بين الكل . وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " علقوا السوط حيث يراه أهل البيت ، فإنه أدب لهم " رواه عبد بن حميد والطبرانيّ عن ابن عباس ، وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر . { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } أي : إذا رجعن عن النشوز عند هذا التأديب إلى الطاعة في جميع ما يراد منهن مما أباحه الله منهن ، فلا سبيل للرجال عليهن بعد ذلك بالتوبيخ والأذية بالضرب والهجران { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } فاحذروه ، تهديد للأزواج على ظلم النسوان من غير سبب ، فإنهن ، وإن ضعفن عن دفع ظلمكم ، وعجزن عن الانتصاف منكم ، فالله سبحانه عليّ قاهر كبير قادر ، ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن ، فلا تغتروا بكونكم أعلى يدا منهن وأكبر درجة منهن ، فإن الله أعلى منكم وأقدر منكم عليهن ، فَخَتْمُ الآية بهذين الاسمين ، فيه تمام المناسبة ، ولما ذكر تعالى حكم النفور والنشوز من الزوجة ، ذكر ما إذا كان النفور من الزوجين بقوله : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً … } .