Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 49-49)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } تعجيب من تمادحهم بالتزكية التي هي التطهير والتبرئة من القبيح فعلاً وقولاً ، المنافية لما هم عليه من الطغيان والشرك الذي قصه تعالى عنهم قبل ، فالمراد بهم اليهود ، وقد حكى تعالى عنهم أنهم يقولون : { نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [ المائدة : 18 ] ، وحكى عنهم أيضاً أنهم قالوا : { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] ، وأنهم قالوا : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] . وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب وكذبوا ، قال الله : إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له ، وأنزل الله : { يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } أي : انظر إليهم فتعجب من ادعائهم أنهم أزكياء عند الله تعالى مع ما هم فيه من الكفر والإثم العظيم ، أو من ادعائهم تكفير ذنوبهم مع استحالة أن يُغفَرَ للكافر شيء من كفره أو معاصيه . وقوله تعالى : { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } تنبيه على أن تزكيته هي المعتد بها دون تزكية غيره ، فإنه العالم بما ينطوي على الإنسان من حَسَن وقبيح ، وقد ذمهم وزكى المرتضين من عباده المؤمنين . تنبيه قال الزمخشري : يدخل في الآية كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند الله ، فإن قلت : أما قال رسول صلى الله عليه وسلم : " والله ! إني لأمين في السماء ، أمين في الأرض ؟ " قلت : إنما قال ذلك حين قال له المنافقون : اعدل في القسمة ، إكذاباً لهم إذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه ، وشتان من شهد الله له بالتزكية ومن شهد لنفسه أو شهد له من لا يعلم . ا . هـ . وقد ورد في من التمادح والتزكية أحاديث كثيرة ، منها عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال : " سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل ويطريه في المدح فقال : " أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل " ، متفق عليه . وعن أبي بكرة رضي الله عنه " أن رجلاً ذكر عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيراً فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " ويحك ! قطعت عنق صاحبك ( يقوله مراراً ) إن كان أحدكم مادحاً ، لا محالة ، فليقل : أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك ، وحسيبه الله ، ولا يزكي على الله أحداً " ، متفق عليه . وعن همّام بن الحارث عن المقداد رضي الله عنه أن رجلاً جعل يمدح عثمان رضي الله عنه ، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه ، فجعل يجثوا في وجهه الحصباء ، فقال له عثمان : ما شأنك ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب " رواه مسلم . وقال الإمام أحمد : حدثنا معتمر عن أبيه عن نعيم بن أبي هند قال : قال عمر ابن الخطاب : من قال : أنا مؤمن فهو كافر ، ومن قال : هو عالم ، فهو جاهل ، ومن قال : هو في الجنة فهو في النار . ورواه ابن مردويه عن طريق موسى بن عبيدة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن عمر أنه قال : إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه ، فمن قال إنه مؤمن فهو كافر ، ومن قال هو عالم فهو جاهل ، ومن قال هو في الجنة فهو في النار . وروى الإمام أحمد عن معبد الجهنيّ قال : كان معاوية قلما كان يحدث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : وكان قلّما يدع ، يوم الجمعة ، هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، وإن هذا المال حلو خضر فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه ، وإياكم والتمادح فإنه الذبح " . وروى ابن ماجة عنه : " إياكم والتمادح فإنه الذبح " . وروى ابن جرير بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال : إن الرجل ليغدو بدينه ثم يرجع وما معه منه شيء ، يلقى الرجل ليس يملك له نفعا ولا ضرّاً فيقول له : والله ! إنك لذيت وذيت فلعله أن يرجع ولم يَحْلَ من حاجته بشيء ، وقد أسخط الله عليه ، ثم قرأ : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } … الآية : { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } عطف على جملة قد حذفت ، تعويلاً على دلالة الحال عليها وإيذاناً بأنها غنية عن الذكر ، أي : يعاقبون بتلك الفعلة القبيحة ولا يظلمون في ذلك العقاب فتيلاً ، أي : أدنى ظلم وأصغره ، والفتيل : الخيط الذي في شق النواة أو ما يفتل بين الأصابع من الوسخ ، يضرب به المثل في القلة والحقارة ، وقيل : التقدير ، يُثَابُ المزكون ولا ينقص من ثوابهم شيء أصلاً ، ولا يساعد مقام الوعيد ، قاله أبو السعود .