Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 11-11)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } أي : قصد إلى إيجادها . و { ثُمَّ } للتفاوت بين الخلقين في الإحكام وعدمه ، واختلافهما في الجهة والجوهر ، لا للتراخي في الزمان ، إذ لازمان هناك . قاله القاشانيّ . وقال ابن جرير : أي : ثم ارتفع إلى السماء ، أي : بلا تكليف ولا تمثيل : { وَهِيَ دُخَانٌ } قال القاشانيّ : أي : جوهر لطيف بخلاف الجواهر الكثيفة الثقيلة الأرضية . وقال القاضي : { دُخَانٌ } أمر ظلمانيّ ، ولعله أراد به مادتها ، أو الأجزاء المصغرة التي ركبت منها ، وأصله للرازيّ حيث قال : لما خلق تعالى الأجزاء التي لا تتجزأ ، فقبل أن خلق فيها كيفية الضوء ، كانت مظلمة عديمة النور ، ثم لما ركبها وجعلها سماوات وكواكب وشمساً وقمراً ، وأحدث صفة الضوء فيها ، فحينئذ صارت مستنيرة . فثبت أن تلك الأجزاء ، حين قصد الله تعالى أن يخلق منها السماوات والشمس والقمر كانت مظلمة . فصح تسميتها بالدخان ؛ لأنه لا معنى للدخان إلا أجزاء متفرقة ، غير متواصلة ، عديمة النور . ثم قال : فهذا ما خطر بالبال في تفسير الدخان . والله أعلم بحقيقة الحال . انتهى . وقال بعض علماء الفلك في تفسير هذه الآية : { وَهِيَ دُخَانٌ } : أي : ذرات ، أي : غازات أي : سديم . ثم تجاذبت كما يجتمع السحاب فصارت كتلة واحدة . مصداقاً لقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً } [ الأنبياء : 30 ] . أي : كتلة واحدة ، فدارت ثم تقطعت وتفصلت بالقوة الدافعة ، فتكونت الأرض والسماوات ، تصديقاً لقوله تعالى : { فَفَتَقْنَاهُمَا } [ الأنبياء : 30 ] أي : فصلناهما ، فصارتا كرات من الماء في يومين ، أي : ألفي سنة . لقوله تعالى : { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [ الحج : 47 ] وفي هذا الوقت كان عرشه على الماء . أي : كان ملكه وسلطانه على الماء ، والله أعلم . انتهى والله أعلم ، { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } قال القاشانيّ : أي : تعلق أمره وإرادته بإيجادهما ، فوجدتا في الحال معاً . كالمأمور المطيع ، إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع لم يلبث في امتثاله . وهو من باب التمثيل ؛ إذ لا قول ثمة . انتهى . وقال ابن جرير : أي : قال الله جل ثناؤه للسماء والأرض : جيئا بما خلقت فيكما . أما أنت يا سماء ، فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم . وأما أنت يا أرض فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات وتشققي عن الأنهار { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } أي : جئنا بما أحدثت فينا من خلقك ، مستجيبين لأمرك ، لا نعصي أمرك . انتهى . يعني أن إثبات المقاولة مع السماء والأرض من المجاز . إما بالاستعارة المكنية . كما تقول : ( نطقت الحال ) فتجعل الحال كإنسان يتكلم في الدلالة ، ثم يتخيل له النطق الذي هو لازم المشبه به ، وينسب إليه . وإما بالاستعارة التمثيلية بأن شبه فيه حالة السماء والأرض التي بينهما وبين خالقهما ، في إرادة تكوينهما وإيجادهما ، بحالة أمير ذي جبروت له نفاذ في سلطانه ، وإطاعة من تحت تصرفه من غير تردد . وقد ردّ غير واحد قول من ذهب إلى أن في الجمادات تمييزاً ونطقاً على ظاهر أمثال هذه النصوص ، منهم ابن حزم . قال في ( الفِصَل ) : وأما قوله تعالى : { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } فقد علمنا بالضرورة والمشاهدة أن القول في اللغة التي نزل بها القرآن ، إنما هو دفع آلات الكلام من أنابيب الصدر والحلق والحنك واللسان والشفتين والأضراس ، بهواء يصل إلى آذان السامع ، فيفهم به مرادات القائل . فإذ لا شك في هذا ، فلكل من لا لسان له ولا شفتين ولا أضراس ولا حنك ولا حلق ، فلا يكون منه القول المعهود منا . هذا مما لا يشك فيه ذو عقل فإذا هذا هكذا كما قلنا بالعيان ، فكل قول ورد به نصّ ولفظ مخبر به عمن ليست هذه صفته ، فإنه ليس هو القول المعهود عندنا . لكنه معنى آخر . فإذ هذا كما ذكرنا ، فبالضرورة صحّ أن معنى قوله تعالى : { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } إنما هو على نفاذ حكمه عز وجل فيهما وتصريفه لهما . انتهى . وكذا الحال في : { ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } فإنهما لما نزلا - وهما من الجمادات - منزلة العقلاء ، إذ أُمرا وخوطبا على طريق المكنية أو التمثيلية ، أثبت لهما ما هو من صفات العقلاء من الطوع والكره ترشيحا . وهما مؤولان بـ ( طائع وكاره ) لأن المصدر لا يقع حالاً بدون ذلك ، ويجوز كونهما مفعولاً مطلقاً . وإنما قال : { طَآئِعِينَ } بجمع المذكر السالم مع اختصاصه بالعقلاء الذكور . وكان مقتضى الظاهر ( طائعات ) أو ( طائعتين ) نظراً إلى الخطاب والإجابة والوصف بالطوع والكره .