Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 29-29)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ } أي : حشرهم يوم القيامة { إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } أي : متمكن منه ، لا يتعذر عليه وإن تفرقت أوصالهم . تنبيه ذهب بعض الباحثين في آيات القرآن الفلكية والعوالم العلوية إلى معنى آخر في هذه الآية ، وعبارته : يفهم من الآية أن الله تعالى خلق السماوات دواب ، ويستدل من قوله تعالى : { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } [ النور : 45 ] أن هذه الدواب ليست ملائكة كما قال المفسرون ، بل حيوانات كحيوانات الأرض ، ولا يبعد أن يكون بينهم حيوان عاقل كالإنسان ، ويلزم لحياة تلك الحيوانات أن يكون في السماوات نباتات وأشجار وبحار وأنهار كما تحقق في هذا العصر لدى علماء الرصد . ثم قال : لعمري ، إن هذه الآية التي نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم قبل ألف وثلاثمائة وعشرين سنة ، لآية لأهل هذا العصر وأيّة آية ، آية لأهل العلم والفلسفة الذين يبذلون الأموال والأرواح بلا حدّ ولا حساب ، ليتوصلوا إلى معرفة سر من أسرار الكائنات ، ومع هذا الجدّ العنيف والجهد المتواصل منذ ثلاثمائة سنة ، لم يتوصلوا إلا بالظن إلى ما أنبأت به هذه الآية . وجل ما توصلوا إليه بالبرهان العقليّ ، إن الأرض أصغر من الشمس وأنها تدور حولها ، وإن الكواكب السيارات كريّات ، وأن النجوم الثوابت شموس ، ولها سيارات تدور حولها ، ولما ثبت لديهم جميعاً وجود الماء والهواء ، وحصول الصيف والشتاء في هذه السيارات ، ظنوا أنه يوجد فيها عالم كعالم الأرض . وبدأ البعض منهم يفكرون بإيجاد الوسائل للمخابرة بالكهربائية مع سكان المريخ الذي هو أقرب السيارات إلينا ، وليس ذلك بالمستحيل فنّاً . ويستدل على إمكانيته من آخر الآية نفسها وهو قوله تعالى : { وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } فلا يبعد أن يتخابرا ويجتمعا فكرا ، إذا لم يجتمعا جسما . فلينظر الفلكيون إلى ما حوته هذه الآية المكنوزة في القرآن . وليعلم المعجبون منا بالعلوم العصرية ، الضاربون صفحاً عن العلوم الإسلامية ، ما في كتاب الله من الحكمة والبيان . وقال أيضاً : لا يخفى أن القرآن العظيم نزل لبيان الحق وتعليم الدين ، أولاً وبالذات . لكن ، تمهيداً لهذه السبيل ، أتى بشذرات من العلوم الفلكية والطبيعية ، وصرف بصائر الناس إلى التفكر في خلق السماوات والأرض ، وما هن عليه من الإبداع ، فوجه أبصارهم إلى التأمل في خلق الإنسان وما هو عليه من التركيب العجيب ، إلى غير ذلك من الأمور الفلكية والطبيعية في أكثر من ثلاثمائة آية . فالمفسرون رحمهم الله ، لما فسروا هذه الآيات ، شرحوا معانيها على مقدار محيط علمهم بالعلوم الفلكية والطبيعية ، ولا يخفى ما كانت عليه هذه الآلات في زمنهم من النقصان ، لاسيما علم الفلك . فهم معذورون إذا لم يفهموا معاني هذه الآيات التي تحيّر عقول فلاسفة هذا العصر ، المتضلعين بالعلوم العقلية . لذلك لم يفسروا هذه الآيات حق تفسيرها ، بل أوّلوها وصرفوا معانيها عن الحقيقة إلى المجاز أو الكناية . انتهى كلامه . وقال عالم فلكيّ أيضا : يقول العلماء : إنه من المحقق أن هذه السيارات مسكونة بحيوانات تشبه الحيوانات التي على أرضنا هذه ، ويكون كل كوكب منها أرضا بالنسبة لحيواناته ، وباقي الكواكب سماوات بالنسبة لها . قال : والظاهر أن القول بوجود الحيوانات في هذه الكواكب صحيح ؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } [ الشورى : 29 ] ويقول : { يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] .