Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 43-43)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَمَن صَبَرَ } أي : على الأذى { وَغَفَرَ } أي : لمن ظلمه ولم ينتصر { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي : التي ندب الله عباده ، وعزم عليهم العمل بها . تنبيه نقل السيوطيّ في ( الإكليل ) عن الكيا الهراسيّ أنه قال : قد ندب الله إلى العفو في مواضع من كتابه ، وظاهر هذه الآية { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } [ الشورى : 39 ] أن الانتصار أفضل . قال : وهو محمول على من تعدى وأصرّ ؛ لئلا يتجرأ الفساق على أهل الدين ، وآيات العفو فيمن ندم وأقلع . انتهى . وعجيب فهمه الأفضلية من الآية ، فإنها لا تدل عليه ، عبارة ولا إشارة . فإنه تعالى لم يرغب في الانتصار . وإنما بين أنه مشروع لهم إذا شاؤوا ، ثم بين بعده أن مشروعيته بشرط رعاية المماثلة ، ثم بين أن العفو أولى ، وهو الذي انتهى إليه الكلام ، وتم به السياق . وكذلك لا حاجة إلى حمل الانتصار على من تعدى . وذلك لأن الانتصار بالمثل من فروع علم العقوبات والجزاء المشروعة لإقامة الحق والعدل ، ودفع الظلم عن النفس والصغار ، ورفع الأحقاد والأضغان ، وأما العفو والصفح ، فذاك من فروع علم الأخلاق وتهذيب النفوس ؛ لأنه من باب المسامحة بالحق وإسقاط المستحق ، رغبة في تزكية النفس وهضماً لها وحرصاً على خير الأمرين وأوفر الأجرين ، وكلاهما من محاسن الشريعة الحنيفية ، وتوسطها بين الاقتصاص البتة والعفو كلياً ؛ لأن العقل السليم يرى فيهما إفراطاً وتفريطاً ، والدين دين الفطرة ، وهي تتقاضى القصاص بالمثل ، وتراه حقاً لها بجبلّتها ، والقضاء الأدبيّ والوازع الرحمانيّ يرشدها إلى ما هو أمثل إن شاءت ، ويبرهن لها أمثليته ، مما لا يبعد ، إذا راجعت نفسها وثابت إلى رشدها ، أن تؤثره ولا تؤثر عليه . كيف ؟ وقد دل قوله تعالى : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } كما قال الزمخشريّ ، على أن الانتصار لا يكاد يؤمن فيه تجاوز السيئة والاعتداء ، خصوصاً في حال الحرد والتهاب الحمية . فربما كان المجازى من الظالمين وهو لا يشعر .