Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 20-21)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } هذا بيان لضلال لهم آخر ، في جدلهم وخصامهم وتعنتهم . وقد استدل المعتزلة بظاهر الآية في أنه تعالى لا يشاء الشرور والمعاصي . وأهل السنة تأوّلوا الآية بما يلاقي العقد الصحيح . وهو عموم مشيئته تعالى لكل شيء ، الناطق به غير ما آية . ولما كانت هذه الآية وأخواتها من معارك الأنظار قديماً وحديثاً ، آثرت أن أنقل هنا ما لمحققي المفسرين ، جرياً على قاعدتنا في التقاط نفائس ما للمتقدم ، وتحلية مصنفاتنا بها ، فنقول : قال القاشانيّ : لما سمعوا من الأنبياء تعليق الأشياء بمشيئة الله تعالى ، افترضوه وجعلوه ذريعة في الإنكار . وقالوا ذلك لا عن علم وإيقان ، بل على سبيل العناد والإفحام ؛ ولهذا ردّهم الله تعالى بقوله : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } إذ لو علموا ذلك لكانوا موحدين ، لا ينسبون التأثير إلا إلى الله . فلا يسعهم إلا عبادته دون غيره . إذ لا يرون حينئذ لغيره نفعا ولا ضراً { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } لتكذيبهم أنفسهم في هذا القول بالفعل ، حين عظموهم وخافوهم وخوّفوا أنبياءهم من بطشهم ، كما قال قوم هود : { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } [ هود : 54 ] ولمّا خوّفوا إبراهيم عليه السلام كيدهم ، أجاب بقوله : { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } [ الأنعام : 80 ] إلى قوله : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ } [ الأنعام : 81 ] انتهى . وفي البيضاويّ وحواشيه : إن هذا القول استدلال منهم على امتناع النهي عن عبادة غيره تعالى أو على حسنها . يعنون أن عبادتهم الملائكة بمشيئته تعالى . فيكون مأموراً بها أو حسنة . ويمتنع كونها منهياً عنها أو قبيحة . وهذا الاستدلال باطل ؛ لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن ؛ لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض ، حسناً كان أو قبيحاً . ولذلك جهلهم في استدلالهم هذا . والحاصل أن الإنكار متوجه إلى جعلهم ذلك دليلاً على امتناع النهي عن عبادتهم ، أو على حسنها لا إلى هذا القول ، فإنه كلمة حق أريد به باطل . انتهى . وقال الناصر في ( الانتصاف ) : نحن معاشر أهل السنة نقول : إن كل شيء بمشيئته تعالى ، حتى الضلالة والهدى ، اتباعاً لدليل العقل ، و تصديقاً لنص النقل . في أمثال قوله تعالى : { يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ النحل : 93 ] وآية الزخرف هذه لا تزيد هذا المعتقد الصحيح إلا تمهيداً ، ولا تفيده إلا تصويباً وتسديداً . فنقول : إذا قال الكافر : ( لو شاء الله ما كفرتُ ) فهذه كلمة حق أراد بها باطلاً ، أما كونها كلمة حق ، فلما مهّدناه . وأما كونه أراد بها باطلاً ، فمراد الكافر بذلك أن يكون له الحجة على الله ، توهماً أنه يلزم من مشيئة الله تعالى لضلالة من ضل ، أن لا يعاقبه على ذلك . لأنه فعل مقتضى مشيئته . ثمّ قال : فإذا وضح ما قلناه ، فإنما رد الله عليهم مقالتهم هذه ؛ لأنهم توهموا أنها حجة على الله . فدحض الله حجتهم ، وأكذب أمنيتهم ، وبين أن مقالتهم صادرة عن ظن كاذب وتخرص محض ، فقال : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ الزخرف : 20 ] و { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } [ الجاثية : 24 ] وقد أفصحت أخت هذه الآية عن هذا التقدير . وذلك قوله تعالى في سورة الأنعام : { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } [ الأنعام : 148 ] فبين تعالى أن الحامل لهؤلاء على التكذيب بالرسل ، و الإشراك بالله ، اغترارهم بأن لهم الحجة على الله بقولهم : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } [ الأنعام : 148 ] فشبه تعالى حالهم في الاعتماد على هذا الخيال ، بحال أوائلهم . ثم بين أنه معتقد نشأ عن ظن خلّب وخيال مكذب ، فقال : { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } [ الأنعام : 148 ] ثم لما أبطل أن يكون لهم في مقالتهم حجة على الله , أثبت تعالى الحجة له عليهم بقوله : { فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ } [ الأنعام : 149 ] ثم أوضح أن الرد عليهم ليس إلا في احتجاجهم على الله بذلك . لا لأن المقالة في نفسها كذب . فقال : { فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } [ الأنعام : 149 ] وهو معنى قولهم : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } [ الأنعام : 148 ] من حيث إن ( لو ) مقتضاها امتناع الهداية لامتناع المشيئة . فدلت الآية الأخيرة على أن الله تعالى لم يشأ هدايتهم ، بل شاء ضلالتهم . ولو شاء هدايتهم لما ضلوا , فهذا هو الدين القويم ، والصراط المستقيم ، والنور اللائح والمنهج الواضح . والذي يدحض به حجة هؤلاء , مع اعتقاد أن الله تعالى شاء وقوع الضلالة منهم , هو أنه تعالى جعل للعبد تأتياً وتيسراً للهداية وغيرها ، من الأفعال الكسبية , حتى صارت الأفعال الصادرة منه مناط التكليف ؛ لأنها اختيارية يفرق بالضرورة بينها وبين العوارض القسرية فهذه الآية أقامت الحجة ووضحت ، لمن اصطفاه الله للمعتقدات الصحيحة ، المحجة ولما كانت تفرقة دقيقة لم تنتظم في سلك الأفهام الكثيفة فلا جرم أن أفهامهم تبددت وأفكارهم تبدلت . فغلت طائفة القدرية واعتقدت أن العبد فعال لما يريد على خلاف مشيئة ربه . وجارت الجبرية فاعتقدت أن لا قدرة للعبد البتة ولا اختيار . وأن جميع الأفعال صادرة منه على سبيل الاضطراب . أما أهل الحق فمنحهم الله من هدايته قسطا وأرشدهم إلى الطريق الوسطى . فانتهجوا سبل السلام . وساروا ورائد التوفيق لهم إمام مستضيئين بأنوار العقول المرشدة ، إلى أن جميع الكائنات بقدرة الله تعالى ومشيئته . ولم يغب عن أفهامهم أن يكون بعض الأفعال للعبد مقدورة لما وجدوه من التفرقة بين الاختيارية والقسرية بالضرورة لكنها قدرة تقارن بلا تأثير . وتميز بين الضروريّ والاختياريّ في التصوير . فهذا هو التحقيق . والله ولي التوفيق . انتهى . وقد سبق في آية ( الأنعام ) نقولٌ عن الأئمة في الآية مسهبة : فراجعها إن شئت . وقوله تعالى : { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ } أي : من قبل هذا القرآن ، { فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } أي : يعملون به ويدينون بما فيه ويحتجون به عليك . نظير قوله تعالى في الآية الأخرى : { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ } [ الأنعام : 148 ] يعني بالعلم كتابا موحى في ذلك .