Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 56-58)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً } أي : حجة للهالكين بعدهم { وَمَثَلاً } أي : عبرة { لِّلآخِرِينَ } أي : الناجين { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } أي : في كونه كآدم ، كما أشارت له آية : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] والمعنى : لما بين وصفه الحق من أنه عبد مخلوق منعم عليه بالنبوة ، عبادته كفر ، ودعاؤه شرك ، إذ لم يأذن الله بعبادة غيره { إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ } أي : من مَثَله المضروب ووصفه المبين { يَصِدُّونَ } أي : يعرضون ولا يعون { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } يعنون بآلهتهم الملائكة الذين عبدوهم ، زعماً منهم أنهم بنات الله تعالى ، كما ذكر عنهم ذلك في أول السورة . أي : أنهم خير من عيسى وأفضل ؛ لأنهم من الملأ الأعلى والنوع الأسمى ، فإذا جازت عبادة المفضول وهو عيسى ، فبالأولى عبادة الأفضل وهم الملائكة . كأنهم يقرون على شركهم أصولاً صحيحة ، ويبنون على تمسكهم أقيسة صريحة ، وغفلوا ، لجهلهم ، عن بطلان المقيس والمقيس عليه ، وأن البرهان الصادع قام على بطلان عبادة غيره تعالى ، وعلى استحالة التوالد في ذاته العلية . وإذا اتضح الهدى فما وراءه إلا الضلال ، والمشاغبة بالجدال . كما قال تعالى : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً } أي : ما ضربوا لك هذا القول إلا لأجل الجدل والخصومة ، لا عن اعتقادٍ ، لظهور بطلانه : { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } أي : شديدو الخصومة بالباطل تمويهاً وتلبيساً . وفي الحديث " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل " وما ذكرناه في تفسير هذه الآية ، هو الجليّ الواضح ، لدلالة السياق والسباق فقابل بينه وبين ما حكاه الغير وأنصف . ثم جلى شأن عيسى عليه السلام ، بما يرفع كل لبس ، بقوله سبحانه : { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً … } .