Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 66-67)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هَلْ يَنظُرُونَ } أي : قريش { إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ } أي : المتخالُون على المعاصي والفساد ، والصدّ عن الحق يوم القيامة { بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } أي : معادٍ ، يتبرأ كل من صاحبه { إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } أي : المتصادقين في طاعة الله ومحبته . قال القاشانيّ : الخلة إما أن تكون خيرية ، أو لا . والخيرية إما أن تكون في الله أو لله ومحبته . وغير الخيرية إما أن يكون سببها اللذة النفسانية أو النفع العقليّ . والقسم الأول هو المحبة الروحانية الذاتية المستندة إلى تناسب الأرواح في الأزل ، التي قال فيها " فما تعارف منها ائتلف " فهم إذا برزوا في هذه النشأة ، وتوجهوا إلى الحق ، وتجددوا عن مواد الرجس ، فلما تلاقوا تعارفوا ، وإذا تعارفوا تحابوا ، لتجانسهم الأصلي ، وتوافقهم في الوجهة والطريقة ، وتشابههم في السيرة والغريزة ، وتجردهم عن الأغراض الفاسدة والأعراض الذاتية ، التي هي سبب العداوة . وانتفع كل منهم بالآخر في سلوكه وعرفانه . والتذ بلقائه ، وتصفى بصفائه ، وتعاونوا في أمور الدنيا والآخرة . فهي الخلة التامة الحقيقية التي لا تزول أبداً كمحبة الأنبياء والأصفياء والأولياء والشهداء . والقسم الثاني هو المحبة القلبية المستندة إلى تناسب الأوصاف والأخلاق والسير الفاضلة ، ونشأته الاعتقادات والأعمال الصالحة . كمحبة الصلحاء والأبرار فيما بينهم ، ومحبة العرفاء والأولياء إياهم . ومحبة الأنبياء أممهم . والقسم الثالث هو المحبة النفسانية المستندة إلى اللذات الحسية والأعراض الجزئية . كمحبة الأزواج لمجرد الشهوة ، ومحبة الفجار والفساق المتعاونين في اكتساب الشهوات واستلاب الأموال . والقسم الرابع هو المحبة العقلية المستندة إلى تسهيل أسباب المعاش ، وتيسير المصالح الدنيوية ، كمحبة التجار والصناع ، ومحبة المحسَن إليه للمحسِن . فكل ما استند إلى غرض فانٍ وسبب زائل ، زال بزواله ، وانقلب عند فقدانه عداوة . لتوقع كل من المتحابين ما اعتاد من صاحبه ، من اللذة المعهودة ، والنفع المألوف ، وامتناعه لزوال سببه ، ولما كان الغالب على أهل العلم أحد القسمين الأخيرين ، أطلق الكلام ، وقال : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } لانقطاع أسباب الوصلة بينهم ، وانتفاء الآلات البدنية عنهم ، وامتناع حصول اللذة الحسية والنفع الجسماني وانقلابهما حسرات وآلاماً وضرراً وخسراناً . قد زالت اللذات والشهوات ، وبقيت العقوبات والتبعات ، فكل يمقت صاحبه ويبغضه ؛ لأنه يرى ما به من العذاب ، منه وبسببه . ثم استثنى المتقين المتناولين للقسمين الباقيين لقلتهم ، كما لقال : { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } [ ص : 24 ] ، { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] ، ولعمري ، إن القسم الأول أعز من الكبريت الأحمر . وهم الكاملون في التقوى ، البالغون إلى نهايتها ، الفائزون بجميع مراتبها . ويليهم القسم الثاني ، وكلا القسمين ، لاشتراكهما في طلب مرضاة الله وطلب ثوابه واجتناب سخطه وعقابه ، نسبهم سبحانه إلى نفسه بقوله : { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ … } .