Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 23-24)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } أي : من ترك متابعة الهدى إلى متابعة الهوى ، فكأنه يعبده ، فجعلُه إلهاً تشبيه بليغ أو استعارة . قال القاشانيّ : الإله المعبود ، ولما أطاعوا الهوى فقد عبدوه وجعلوه إلهاً ؛ إذ كل ما يعبده الإنسان بمحبته وطاعته ، فهو إلهه لو كان حجرا ! { وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } ، أي : عالماً بحاله ، من زوال استعداده ، وانقلاب وجهه ، إلى الجهة السفلية ، أو مع كون ذلك العابد للهوى عالماً بعلم ما يجب عليه فعله في الدين ، على تقدير أن يكون { عَلَىٰ عِلْمٍ } حالاً من الضمير المفعول في { وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ } لا من الفاعل ، وحينئذ يكون الإخلال لمحالفته علمه بالعمل ، وتختلف القدم عن النظر ، لتشرب قلبه بمحبة النفس وغلبة الهوى ، أو على علم منه غير نافع ؛ لكونه من باب الفضول ، ليس فيه إلى الحق سلوك ووصول { وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ } أي : بالطرد من باب الهدى ، والإبعاد عن محل سماع كلام الحق وفهمه ، لمكان الرَّين وغلظ الحجاب ، فلا يعقل منه شيئاً { وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً } أي : عن رؤية حجج الله وآياته { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } أي : فمن يوقفه لإصابة الحق بعد إضلال الله إياه { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } أي : ما الحياة أو الحال غير حياتنا هذه التي نحن فيها { نَمُوتُ } أي : بالموت البدنيّ الطبيعيّ ، { وَنَحْيَا } أي : الحياة لجسمانية الحسية ، لا موت ولا حياة غيرهما { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } أي : مرّ الليالي والأيام وطول العمر { وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } أي : وما يقولون ذلك عن علم ولكن على ظن وتخمين . و ( ذلك ) إشارة إلى نسبة الحوادث إلى الدهر ، أو إلى إنكار البعث ، أو إلى كليهما . قال الزمخشريّ : كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس ، وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بأمر الله ، وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان , وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر " أي : فإن الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر . انتهى . وقال الخطابيّ : معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي تنسبونها إلى الدهر . فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور ، عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها . وإنما الدهر زمان جعل ظرفاً لمواقع الأمور . وكان عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا : ( بؤساً للدهر ) و ( تباً للدهر ) . انتهى . قال ابن كثير : وقد غلط ابن حزم . ومن نحا نحوه من الظاهرية ، في عدّهم الدهر من الأسماء الحسنى ؛ أخذاً من هذا الحديث . انتهى . تنبيه في هذه الآية ردّ على الدهرية ، وهم المعطلة بأن متمسكهم ظن وتخمين . لم يشم رائحة اليقين . وما هذا سبيله ، فباب القبول في وجهه مسدود { إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } [ يونس : 36 ] . قال الشهرستانيّ في معطلة العرب : فصنف منهم أنكروا الخالق والبعث والإعادة ، وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني . وهم الذين أخبر عنهم القرآن المجيد { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا } إشارة إلى الطبائع المحسوسة في العالم السفليّ ، وقصر الحياة والموت على تركبها وتحللها . فالجامع هو الطبع ، والمهلك هو الدهر { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } فاستدل عليهم بضرورات فكرية ، وآيات فطرية ، في كم آية وكم سورة فقال تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ الأعراف : 184 ] { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الأعراف : 185 ] وقال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } [ النحل : 48 ] وقال : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [ فصلت : 9 ] . وقال : { يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } [ البقرة : 21 ] فثبتت الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق . فإنه قادر على الكمال ، إبداءً وإعادة . انتهى . ولي في الرد على الدهريين ، وهم الماديون والطبيعيون ، كتاب وَسَمْتُه ( دلائل التوحيد ) فليرجع إليه المريد ، فليس وراءه ، بحمده تعالى ، من مزيد .