Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 34-35)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا } أي : الإحياء إحياء { بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * فَٱصْبِرْ } أي : على تبليغ الرسالة وتكذيبهم وإيذائهم { كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } أي : أولو الثبات والجد منهم ، فإنك منهم . والعزم - في اللغة - كالعزيمة ، ما عقدت قلبك عليه من أمر . والعزم أيضاً القوة على الشيء والصبر عليه . فالمراد به هنا المجتهدون ، المجدّون ، أو الصابرون على أمر الله فيما عهده إليهم ، وقدره وقضاه عليهم . ومطلق الجد والجهد والصبر موجود في جميع الرسل ، بل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وكثير من الأولياء . فلذا ذهب جمهور المفسرين في هذه الآية إلى أنهم جميع الرسل ، وأن { مِنَ } بيانية لا تبعيضية ، فكل رسول من أولي العزم ، فإن أريد به معنى مخصوص ببعضهم ، فلا بد من بيانه ليظهر وجه التخصيص . ومنشأ الاختلاف في عددهم إلى أقوال : أحدها : أنهم جميع الرسل . والثاني : أنهم أربعة : نوح وإبراهيم وموسى ومحمد . والثالث : أنهم خمسة بزيادة عيسى ، كما قيل : @ أولي العزمِ نوحٌ والخليلُ الممجَّدُ وموسَى وعيسَى والنبِيُّ محمدُ @@ والرابع : أنهم ستة ، بزيادة هارون أو داود . والخامس : أنهم سبعة بزيادة آدم . والسادس : أنهم تسعة ، بزيادة إسحاق ويعقوب ويوسف . وقد يزاد وينقص . وتوجيه التخصيص أن المراد بهم من له جد وجهد تام في دعوته إلى الحق ، وذبه عن حريم التوحيد ، وحمى الشريعة ، بحيث يصبر على ما لا يطيقه سواه من عوارضه النفسية والبدنية ، وأموره الخارجية ، كمبارزة كل أهل عصره ، كما كان لنوح ، أو لملك جبار في عصره ، وانتصاره عليه من غير عدة دنيوية ، كنمروذ إبراهيم ، وجالوت داود ، وفرعون موسى ، ولكل موسى فرعون ، ولكل محمد أبو جهل . وكالابتلاء بأمور لا يصبر عليها البشر بدون قوة قدسية ، ونفس ربانية ، كما وقع لأيوب عليه الصلاة والسلام . ومن هنا كشف برقع الخفاء عن وجه التخصيص ، وهذا مما كشف بركاتهم سره - أفاده الشهاب . { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } أي : ولا تستعجل بمساءلتك ربك العذاب لهم ، فإن ذلك نازل بهم لا محالة ، وإن اشتد عليك الأمر من جهتهم { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } أي : من عذاب الله ونكاله وخزيه الذي ينزل بهم في الدنيا أو في الآخرة { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } أي لأنه ينسيهم شدة ما ينزل بهم من عذابه ، قدر ما كانوا في الدنيا لبثوا ، ومبلغ ما فيها مكثوا . وقوله تعالى : { بَلاَغٌ } قال ابن جرير : فيه وجهان : أحدهما : أن يكون معناه : لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ، ذلك لبث بلاغ ، بمعنى : ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى أجلهم ، ثم حذف ( ذلك لبث ) ، وهي مرادة في الكلام اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليها . والآخر : أن يكون معناه : هذا القرآن والتذكير بلاغ لهم وكفاية ، إن فكروا واعتبروا ، فتذكروا . انتهى . وأشار المهايميّ إلى معنى آخر فقال : ليس من حق الرسل الاستعجال ، بل حقهم بلاغ . { فَهَلْ يُهْلَكُ } أي : بعذاب الله إذا أنزله بمقتضى العدل والحكمة { إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } أي : الذين خالفوا أمره ، وخرجوا من طاعته ، نعوذ بالله من غضبه ، وأليم عقابه .