Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 11-11)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } قال مجاهد : هم أعراب المدينة ، كجهينة ومزينة ، استتبعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لخروجه إلى مكة ، فقالوا : نذهب معه إلى قوم قد جاؤوه ، فقتلوا أصحابه ، فنقاتلهم . فاعتلوا بالشغل . أي : سيقولون لك إذا عاتبتهم على التخلف عنك : شغلنا عن الخروج معك معالجة أموالنا ، وإصلاح معايشنا ، والخوف على أهلنا من الضيعة ، فاستغفر لنا ربنا . وقوله تعالى : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } تكذيب لهم في اعتذارهم ، وأن الذي خلفهم ليس بما يقولون ، وإنما هو الشك في الله ، والنفاق . وكذا طلبهم للاستغفار أيضاً ، ليس بصادر عن حقيقة ؛ لأنه بغير توبة منهم ، ولا ندم على ما سلف منهم من معصية التخلف . وفيه إيذان بأن اللسان لا عبرة به ، ما لم يكن مترجماً عن الاعتقاد الحق . { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } أي : لا أحد يمنعه تعالى من ذلك ؛ لأنه لا يغالبه غالب . إشارة إلى عدم فائدة استغفاره لهم ، مع بقائهم على كذبهم ونفاقهم ، ولذا هددهم بقوله سبحانه : { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي : فيجازيكم عليه . لطيفة قال الناصر : لا تخلو الآية من الفن المعروف عند علماء البيان باللف . وكان الأصل - والله أعلم - : فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً ، ومن يحرمكم النفع إن أراد بكم نفعاً ؛ لأن مثل هذه النظم يستعمل في الضر . وكذلك ورد في الكتاب العزيز مطرداً ، كقوله : { فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } [ المائدة : 17 ] ، { وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً } [ المائدة : 41 ] { فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } [ الأحقاف : 8 ] ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في بعض الحديث : " إني لا أملك لكم شيئاً " - يخاطب عشيرته - وأمثاله كثيرة . وسر اختصاصه بدفع المضرة أن الملك مضاف في هذه المواضع باللام ، ودفع المضرة نفع يضاف للمدفوع عنه ، وليس كذلك حرمان المنفعة ، فإنه ضرر عائد عليه ، لا له . فإذا ظهر ذلك ، فإنما انتظمت الآية على هذا الوجه ؛ لأن القسمين يشتركان في أن كل واحد منهما نفي لدفع المقدر من خير وشر ، فلما تقاربا أدرجهما في عبارة واحدة ، وخص عبارة دفع الضر ؛ لأنه هو المتوقع لهؤلاء ؛ إذ الآية في سياق التهديد ، أو الوعيد الشديد . وهي نظير قوله : { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } [ الأحزاب : 17 ] فإن العصمة إنما تكون من السوء لا من الرحمة . فهاتان الآيتان يرامان في التقرير الذي ذكرته - والله أعلم .