Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 38-38)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلسَّارِقُ } أي : من الرجال { وَٱلسَّارِقَةُ } أي : من النساء { فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } يعني : يمين كل منهما ، والمقطع الرسغ ، كما بينته السنّة { جَزَآءً بِمَا كَسَبَا } أي : يقطع الآلة الكاسبة { نَكَالاً } أي : عقوبةً { مِّنَ ٱللَّهِ } أي : على فعل السرقة المنهيّ عنه من جهته تعالى ، لا في مقابلة إتلاف المال ، فإنه غير السرقة فلذلك لا يسقط بعفو المالك ، بخلاف العفو عن المال ، ولا يبالي فيه بعزة السارق ، لأنه تعالى غالب على أمره يمضيه كيف يشاء كما قال : { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } أي : فلا يبالي - مع عزته الموجبة لامتثال أمره - عزّة مَنْ دونه { حَكِيمٌ } في شرائعه ، فيختل أمر نظام العالم بمخالفة أمره ، إذ فيه نفع عام للخلائق . وفي الآية مسائل الأولى : قال أبو السعود : لما كانت السرقة معهودة من النساء كالرجال ، صرح بالسارقة أيضاً ، مع أن المعهود في الكتاب والسنة إدراج النساء في الأحكام الواردة في شأن الرجال بطريقة الدلالة . لمزيد الاعتناء بالبيان والمبالغة في الزجر . انتهى . ولما كانت غلبة السرقة في الرجال ، لقوتهم بدأ بالسارق . كما أن غلبة الزنى لما كانت في النساء لفرط شهوتهن - قال في آية الزنى : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } [ النور : 2 ] . الثانية : قال ابن كثير : روى الثوريّ بسنده إلى ابن مسعود ؛ أنه كان يقرؤها : والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما ، وهذه قراءة شاذة . وكان الحكم عند جميع العلماء موافقاً لها لا بها ، بل هو مستفاد من دليل آخر ؛ وقد كان القطع معمولاً به في الجاهلية فقرر في الإسلام ، وزيدت شروط أخر كما سنذكره إن شاء الله تعالى : كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه ، وزيادات هي من تمام المصالح . ويقال : إن أول من قطع الأيدي في الجاهلية : قريش ، قطعوا رجلاً يقال له ( دويك ) مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة ، كان قد سرق كنز الكعبة ، ويقال : سرقه قوم فوضعوه عنده . الثالثة : ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئاً قطعت يده به ، سواء كان قليلاً أو كثيراً ، لعموم هذه الآية : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } ، فلم يعتبروا نصاباً ولا حرزاً ، بل أخذوا بمجرد السرقة . وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن نجدة الحنفيّ قال : سألت ابن عباس عن قوله تعالى : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } . أخاص أم عام ؟ فقال : بل عام … وهذا يحتمل أن يكون موافقة لابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء ، ويحتمل ذلك ، فالله أعلم . وتمسكوا بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده " . وأما الجمهور فاعتبروا النصاب ، وإن كان قد وقع بينهم الخلاف في قدره . فعند الإمام مالك : النصاب ثلاثة دراهم مضروبة خالصة ، فمتى سرقها أو ما يبلغ ثمنها فما فوقه ، وجب القطع . واحتج في ذلك بما رواه عن نافع عن ابن عمر : " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجنّ ثمنه ثلاثة دراهم " أخرجاه في ( الصحيحين ) . قال مالك رحمه الله : وقطع عثمان رضي الله عنه في أترجة قوّمت بثلاثة دراهم . وهو أحب ما سمعت في ذلك . قال أصحاب مالك : ومثل هذا الصنيع يشتهر ولم ينكر . فمن مثله يحكي الإجماع السكوتيّ . وفيه دلالة على القطع في الثمار ، خلافاً للحنفية ، وعلى اعتبار ثلاثة دراهم خلافاً لهم في أنه لا بد من عشرة دراهم ، وللشافعية في اعتبار ربع دينار ، والله أعلم . وذهب الشافعيّ رحمه الله إلى أن الاعتبار في قطع يد السارق بربع دينار أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعداً ، والحجة في ذلك ما أخرجه الشيخان من طريق الزهريّ عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً " ولمسلم عنها أيضاً : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً " قال الشافعية : هذا الحديث فاصل في المسألة ، ونصٌّ في اعتبار ربع الدينار لا ما سواه . قالوا : وحديث ثمن المجنّ ، وإن كان ثلاثة دراهم ، لا ينافي هذا ، لأنه إذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهما ، فهي ثمن ربع دينار ، فأمكن الجمع بهذا الطريق . ويروى هذا المذهب عن عمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم . وبه يقول عمر بن عبد العزيز والليث والأوزاعي وإسحاق ( في رواية عنه ) وأبو ثور وداود الظاهريّ ، رحمهم الله . وذهب الإمام أحمد وإسحاق ( في رواية ) إلي أنّ كل واحد من ربع الدينار والثلاثة دراهم مردّ شرعيّ . فمن سرق واحداً منهما أو ما يساويه قطع ، عملاً بحديث ابن عمر وبحديث عائشة . ووقع في لفظٍ عند الإمام أحمد عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك " وكان ربع الدينار يومئذٍ ثلاثة دراهم ، والدينار اثني عشر درهما . وفي لفظٍ للنسائيّ : " لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن " قيل لعائشة : ما ثمن المجنّ ؟ قالت : ربع دينار . فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم ، والله أعلم . وأما الإمام أبو حنيفة وأصحابه ، وكذا سفيان الثوريّ ، فإنهم ذهبوا إلى أن النصاب عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة . واحتجوا بأن ثمن المجنّ الذي قطع فيه السارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثمنه عشرة دراهم . وقد روى أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا ابن نمير وعبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجنّ " وكان ثمن المجنّ عشرة دراهم . قالوا : فهذا ابن عباس وعبد الله بن عمرو قد خالفا ابن عُمَر في ثمن المجنّ ، فالاحتياط الأخذ بالأكثر ؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات . وذهب بعض السلف إلى أنه تقطع يد السارق في عشرة دراهم أو دينار أو ما يبلغ قيمة واحد منهما . يحكى هذا عن عليّ وابن مسعود وإبراهيم النخعيّ وأبي جعفر الباقر ، رحمهم الله تعالى . وقال بعض السلف : لا تقطع الخمس إلا في خمس . أي : في خمسة دنانير أو خمسين درهما . وينقل هذا عن سعيد بن جبير رحمه الله . وقد أجاب الجمهور - عما تمسك به الظاهرية من حديث أبي هريرة : " يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده " - بأجوبة : أحدها : أنه منسوخ بحديث عائشة . وفي هذا نظر لأنه لا بد من بيان التاريخ . والثاني : أنه مؤول ببيضة الحديد وحبل السفن . قاله الأعمش فيما حكاه البخاريّ وغيره عنه . والثالث : أن هذه وسيلة إلى التدرج في السرقة من القليل إلى الكثير الذي تقطع فيه يده . ويحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الإخبار عما كان الأمر عليه في الجاهلية حيث كانوا يقطعون في الكثير والقليل . فلعن السارق ببذل يده الثمينة في الأشياء المهينة . وقد ذكروا أن أبا العلاء المعرّي : لما قدم بغداد ، اشتهر عنه أنه أورد إشكالاً على الفقهاء في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار ، ونظم في ذلك شعراً فقال : @ يد بخمسِ مئين عسجد وُدِيَتْ ما بالها قطعت في ربع دينار ؟ @@ وقد أجابه الناس في ذلك ؛ فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكيّ رحمه الله أنه قال : لما كانت أمينة ، كانت ثمينة ، ولما خانت هانت . ومنهم من قال : هذا من تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشريعة العظيمة ، فإن في باب الجنايات ، ناسب أن تَعْظُمَ قيمة اليد بخمسمائة دينار ، لئلا يجنى عليها ، وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع ربع دينار لئلا يسارع الناس في سرقة الأموال ، فهذا هو عين الحكمة عند ذوي الألباب . ولهذا قال : { جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ، أي : مجازاة على صنيعهما السّيئ في أخذهما أموال الناس بأيديهم ، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك . كذا في تفسير ابن كثير . قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس سره في كتابه ( السياسة الشرعية ) : وأما السارق فيجب قطع يده اليمنى بالكتاب والسنة والإجماع . قال الله تعالى : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ … } الآية . ولا يجوز ، بعد ثبوت الحدّ عليه بالبينة أو الإقرار ، تأخيره ، لا بحبس ولا مال يفتدي به ولا غيره ، بل تقطع يده في الأوقات المعظمة وغيرها ، فإن إقامة الحدود من العبادات كالجهاد في سبيل الله . وينبغي أن يعرف أن إقامة الحدّ رحمة من الله بعباده ، فيكون الوالي شديداً في إقامة الحدّ ، لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله ، ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات ، لا إشفاء غيظه وإرادة العلوّ على الخلق ، بل بمنزلة الوالد إذا أدب ولده . فإنه لو كف عن تأديب ولده ، كما تستر به الأم رقة ورأفة ، لفسد الولد . وإنما يؤدبه رحمة وإصلاحاً بحاله ، مع أنه يودّ ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب ، وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه ، وبمنزلة قطع العضو المتآكّل والحجم وقطع العروق بالفصاد ونحو ذلك ، بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه ، وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة . فكذلك شرعت الحدود ، وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها ، فإن من كان قصده صلاح الرعية والنهي عن المنكرات ، بجلب المنفعة لهم ورفع المضرة عنهم وابتغائه بذلك وجه الله تعالى وطاعة أمره - ألان الله له القلوب وتيسرت له أسباب الخير ، وكفاه العقوبة اليسيرة ، وقد يرضى المحدود إذا قام عليه الحدّ . وأما إذا كان غرضه العلوّ عليهم وإقامة بأسه ليعطوه أو ليبذلوا له ما يريد من الأموال - انعكس عليه مقصوده . ويروى أن عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، قبل أن يلي الخلافة كان نائباً للوليد بن عبد الملك على مدينة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكان قد ساسهم سياسة صالحة ، فقدم الحجاج من العراق وقد سامهم سوء العذاب ، فسأل أهلَ المدينة عن عمر : كيف هيبته فيكم ؟ قالوا : ما نستطيع أن ننظر إليه هيبة له ! قال : كيف محبتكم له ؟ قالوا : هو أحب إلينا من أهلنا ! قال : فكيف أدبه ؟ قالوا : ما بين الثلاثة الأسواط إلى العشرة … قال : هذه هيبته وهذه محبته وهذا أدبه ! هذا أمر من السماء . وإذا قطعت يده حسمت ، ويستحب أن تعلق في عنقه ، فإن سرق ثانياً قطعت رجله اليسرى ، فإن سرق ثالثاً أو رابعاً ، ففيه قولان للصحابة ومن بعدهم من العلماء : أحدهما : تقطع أربعته في الثالثة والرابعة ، وهو قول أبي بكر ، وهو مذهب الشافعيّ رضي الله عنه ، والكوفيين وأحمد في إحدى الروايتين . والثاني : أنه يحبس ، وهو قول عليّ رضي الله عنه والكوفيين وأحمد في روايته الأخرى . وتتمة مباحث السرقة مقررة في كتب السنة . الرابعة : قرأ الجمهور برفع ( السارق والسارقة ) على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره : وفيما يتلى عليكم - أو فيما فرض عليكم - السارق والسارقة ، أي : حكمهما . أو الخبر قوله تعالى : { فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط ، إذ المعنى : الذي سرق والتي سرقت . وقرأ عيسى بن عمر بالنصب وفضلها سيبويه على قراءة الرفع ؛ لأن الإنشاء لا يقع خبراً إلا بتأويل وإضمار ، كذا اشتهر عن سيبويه . قال الناصر في ( الانتصاف ) : المستقرأ من وجوه القراءات أن العامة لا تتفق فيها أبداً على العدول عن الأفصح . وجدير بالقرآن أن يجري على أفصح الوجوه ، وألا يخلو من الأفصح ، وما يشتمل عليه كلام العرب الذي لم يصل أحد منهم إلى ذروة فصاحته ولم يتعلق بأهدابها . وسيبويه يحاشي من اعتقاد عراء القرآن عن الأفصح واشتماله على الشاذ الذي لا يعدّ من القرآن . ونحن نورد الفصل من كلام سيبويه على هذه الآية ليتضح لسامعه براءة سيبويه من عهدة هذا النقل : قال سيبويه في ترجمة ( باب الأمر والنهي ) بعد أن ذكر المواضع التي يختار فيها النصب : وملخصها أنّه متى بني الاسم على فعل الأمر ، فذاك موضع اختيار النصب . ثم قال كالموضّح لامتياز هذه الآية عما اختار فيها النصب : وأما قوله عز وجل : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ … } الآية ، وقول : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ } [ النور : 2 ] . فإن هذا لم يبن على الفعل ولكنه جاء على مثال قوله : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } [ محمد : 15 ] . ثم قال بعد : فيها كذا وكذا . يريد سيبويه تمييز هذه الآي عن المواضع التي بيّن اختيار النصب فيها . ووجه التمييز بأن الكلام حيث يختار النصب يكون الاسم فيه مبنيا على الفعل ، وأما في هذه الآي فليس بمبني عليه ، فلا يلزم فيه اختيار النصب . عاد كلامه قال : وإنما وضع المثل للحديث الذي ذكره بعده ، فذكر أخباراً وقصصاً ، فكأنه قال : ومن القصص : مثل الجنة ، فهو محمول على هذا الإضمار ، والله أعلم . وكذلك { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } [ النور : 2 ] لما قال جل ثناؤه : { سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } [ النور : 1 ] . قال في جملة الفرائض : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } [ النور : 2 ] - ثم جاء - { فَٱجْلِدُواْ } [ النور : 2 ] . بعد أن مضى فيهما الرفع ، ، يريد سيبويه : لم يكن الاسم مبنياً على الفعل المذكور بعد ، بل بني على محذوف متقدم وجاء الفعل طارئاً . عاد كلامه قال كما جاء : وقائلة خَوْلانُ فانكِحْ فَتَاتَهُمْ فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر ؛ وكذلك { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } وفيما فرض عليكم السارقة والسارق ، فإنما دخلت هذه الأسماء بعد قصص وأحاديث . وقد قرأ ناس " والسارقََ والسارقَةَ " . بالنصب ، وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوة ، ولكن أبت العامة إلا الرفع . يريد سيبويه أن قراءة النصب جاء الاسم فيها مبنياً على الفعل غير معتمد على متقدم ، فكان النصب قوياً بالنسبة إلى الرفع ، حيث يبني الاسم على الفعل لا على متقدم . وليس يعني أنه قويّ بالنسبة إلى الرفع ، حيث يعتمد الاسم على المحذوف المتقدم ؛ فإنه قد بين أن ذلك يخرجه من الباب الذي يختار فيه النصب ، فكيف يفهم عنه ترجيحه عليه . والباب مع القراءتين مختلف ؟ وإنما يقع الترجيح بعد التساوي في الباب . فالنصب أرجح من الرفع حيث ينبني الاسم على الفعل . والرفع متعين ( لا أقول أرجح ) حيث بني الاسم على كلام متقدم . ثم حقق سيبويه هذا المقدر بأن الكلام واقع بعد قصص وأخبار . ولو كان كما ظنّه الزمخشريّ ، لم يحتج سيبويه إلى تقديرٍ بل كان يرفعه على الابتداء ، ويجعل الأمر خبره . فالملخص على هذا : أن النصب على وجه واحد ، وهو بناء الاسم على فعل الأمر ، والرفع على وجهين : أحدهما ضعيف وهو الابتداء وبناء الكلام على الفعل ، والآخر قويّ بالغ كوجه النصب - وهو رفعه على خبر ابتداء محذوف دلّ عليه السياق . وحيثما تعارض لنا وجهان في الرفع ، أحدهما قويّ والآخر ضعيف . تعيّن حمل القراءة على القويّ كما أعربه سيبويه رضي الله عنه . والله أعلم . انتهى .