Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 56-56)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } فيعينهم وينصرهم { فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } في العاقبة على أعدائه . تنبيهات الأول : إنما أفرد ( الوليّ ) ولم يجمع , مع أنه متعدد , للإيذان بأن الولاية لله أصل , ولغيره تبعٌ لولايته عزّ وجل . فالتقدير : وكذلك رسوله والذين آمنوا . الثاني : ثمرة هذه الآية تأكيد موالاة المؤمنين والبعد عن موالاة الكفار . الثالث : قال ابن كثير : توهم بعض الناس أن هذه الجملة - يعني قوله تعالى : { وَهُمْ رَاكِعُونَ } - في موضع الحال من قوله : { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } أي : في ركوعهم . ولو كان هذا كذلك , لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح . وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمهم من أئمة الفتوى . وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثراً عن عليّ بن أبي طالب , أنّ هذه الآية نزلت فيه . أنّه مرّ به سائل في حال ركوعه , فأعطاه خاتمه . ثم روى ابن كثير الأثر المذكور عن ابن أبي حاتم وابن جرير وعبد الرزاق وابن مردويه , ثم قال : وليس يصحّ شيءٌ منها بالكلية ، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها … انتهى . وقد اقتصّ ذلك الخفاجيّ في ( حواشي البيضاويّ ) عن الحاكم وغيره بطول ، ثم أنشد أبياتاً لحسان بن ثابت فيها . ولوائح الضعف بل الوضع لا تخفى عليها ، لا سيما ونفس حسان بن ثابت , العريق في العربية , بعيد مما نسب إليه . وأَيّ حاجة للتنويه بفضل عليّ عليه السلام بمثل هذه الواهيات ، وفضله أشهر من نارٍ على علم . قال البغويّ : روي عن عبد الملك بن سليمان قال : سألت أبا جعفر , محمد بن عليّ الباقر عن هذه الآية : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } من هم ؟ فقال : المؤمنون . فقلت : إن ناساً يقولون هو عليّ . فقال : عليٌّ من الذين آمنوا . قال ابن كثير : وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها , أنّ هذه الآية كلها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه , حين تبرأ من حلف يهود , ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين . الرابع : ذهب من رأى أن هذه الآية نزلت في عليّ عليه السلام وأنه تصدق بخاتمه وهو راكع - كما قدّمنا - إلى أنّ العمل القليل في الصلاة لا يبطلها , وإن صدقة النفل تسمى زكاة . نقله السيوطيّ في ( الإكليل ) عن ابن الفرس . وقال بعض الزيدية : ثمرة الآية تأكيد موالاة المؤمنين , وبيان فضل من نزلت فيه , وأنه يجوز إخراج الزكاة في الصلاة , وتنوي ، وكذا نية الصيام في الصلاة تصح . وإن الفعل القليل لا يفسد الصلاة . قال : وهذا مأخوذ من سبب نزولها , لا من لفظها . ومتى قيل أنّ عليّاً عليه السلام لم تجب عليه زكاة ؟ قلنا : إذا صحّ ما ذكر أنّها نزلت فيه , كان أولى بالصحة وأنها قد وجبت عليه . قال في ( الغياضة ) : إن قيل : قد روي أنه كان من ذهب , والذهب محرّم على الرجال ؛ أجيب بأن ذلك كان في صدر الإسلام ثم نسخ , أو أنّ هذا من خواصّ عليّ عليه السلام . انتهى . قال الزمخشريّ : فإن قلت : كيف صحّ أن يكون لعليّ رضي الله عنه , واللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع , وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً , ليرغب الناس في مثل فعله فَيَنَالُوا مثل ثوابه . ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان وتفقد الفقراء . حتى إنْ لَزَّهُمْ أمرٌ لا يقبل التأخير - وهم في الصلاة - لم يؤخروه إلى الفراغ منها . انتهى . وإنما أوردنا هذا , على علاته , تعجيباً من غرائب الاستنباط . وقد توسع الرازيّ , عليه الرحمة , في المناقشة مع الشيعة هنا , فليراجع فإنه بحث بديع . الخامس : قوله تعالى : { فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } معناه : فإنهم هم الغالبون . فوضع الظاهر موضع الضمير العائد إلى ( من ) دلالة على علة الغلبة . وهو أنهم حزب الله . فكأنه قيل : ومن يتولّ هؤلاء فهم حزب الله . وحزب الله هم الغالبون . وتنويهاً بذكرهم وتعظيماً لشأنهم وتشريفاً لهم بهذا الاسم ، وتعريضاً لمن يوالي غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان . وأصل ( الحزب ) : القوم يجتمعون لأمرٍ حَزَبَهُمْ . وقيل : الحزب جماعة فيهم شدة . فهو أخصّ من الجماعة والقوم . ثم أشار تعالى إلى أن موالاة غيرهم ، إن كانت لجرّ نفع ، فضررها أعظم . وإن كانت لدفع ضرر ، فالضرر الحاصل بها لا يفي بالمدفع ، فقال سبحانه : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً … } .