Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 58-58)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ } أي : دعوتم إليها بالأذان { ٱتَّخَذُوهَا } أي : الصلاة أو المناداة { هُزُواً وَلَعِباً } بأن يستهزئوا بها ويتضاحكوا : { ذٰلِكَ } أي : الاتخاذ { بِأَنَّهُمْ } أي : بسبب أنهم { قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } أي : معاني عبادة الله , فإن السفه يؤدي إلى الجهل بمحاسن الحق والهزء به , ولو كان لهم عقل في الجملة لما اجترؤوا على تلك العظيمة . فإن الصلاة أكمل القربات , وفي النداء معان شريفة من تعظيم الله باعتبار ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله . ومن ذكر توحيده باعتبار ذاته , وباعتبار عدم مغايرة أسمائه وصفاته , ومن تعظيم رسوله باعتبار قيامه بمصالح المعاش والمعاد . ومن الصلاة من حيث هي وصلة ما بين العبد وبين الله , ومن حيث إفادتها معالي الدرجات , ومن تعظيم مقصده وهو الفلاح في الظاهر والباطن , وما هو غاية مقصده من القرب من الله باعتبار عظمة ظاهره وباطنه , ومن الوصول إلى توحيده الحقيقيّ . أفاده المهايميّ . تنبيهات الأول : في آثار رويت في هذه الآية : روى أبو الشيخ ابن حيان عن ابن عباس قال : كان رفاعة بن زيد بن التابوت , وسويد ابن الحارث , قد أظهرا الإسلام ونافقا , وكان رجل من المسلمين يوادّهما ، فأنزل الله : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ … } الآية . وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدّيّ في قوله : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً } قال : كان رجل من النصارى من المدينة , إذا سمع المنادي ينادي : أشهد أن محمداً رسول الله . قال : حُرِّق الكاذب . فدخلت خادمه ليلة من الليالي بنار , وهو نائم وأهله نيام , فسقطت شرارة فأحرقت البيت . فاحترق هو وأهله . وذكر محمد بن إسحاق بن يسار في ( السيرة ) : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال فأمره أن يؤذن . وأبو سفيان بن حرب وعتَّاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة . فقال عتاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه . فقال الحارث بن هشام : أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته . فقال أبو سفيان : لا أقول شيئاً . لو تكلمتُ لأخْبَرَتْ عني هذه الحصى . فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " قد علمت الذي قلتم " . ثم ذكر ذلك لهم . فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله . والله ! ما اطلع على هذا أحد كان معنا , فنقول أخبرك . وروى الإمام أحمد " عن عبد الله بن محيريز - وكان يتيماً في حجر أبي محذورة - قال : قلت لأبي محذورة : يا عم ، إني خارج إلى الشام . وأخشى أن أسأل عن تأذينك . فأخبرني ؛ أن أبا محذورة قال له : نعم ! خرجت في نفر فكنا ببعض طريق حنين , فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق . فأذّن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم , فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون . فصرخنا نحكيه ونستهزئ به فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع ؟ " فأشار القوم كلهم إليّ ، وصدقوا . فأرسل كلَّهم وحبسني فقال : " قم فأذن " فقمت , ولا شيء أكره إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به , فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فألقى إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو نفسه فقال : " قل : الله أكبر , الله أكبر ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أنّ محمداً رسول الله " . ثم قال لي : " ارجع فامدد من صوتك " . ثم قال : " أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أنّ محمداً رسول الله ، أشهد أنّ محمداً رسول الله ، حيَّ على الصلاة , حيّ على الصلاة , حيَّ على الفلاح , حيَّ على الفلاح . الله أكبر الله أكبر , لا إله إلا الله " ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة . ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ، ثم أمرّها على وجهه مرتين ، ثم مرتين على يديه ، ثم على كبده ، ثم بلغت يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم سرّة أبي محذورة . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بارك الله فيك " . فقلت : يا رسول الله ، مُرني بالتأذين بمكة . فقال : " قد أمرتك به " . وذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهية , وعاد ذلك كله محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنّت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " . الثاني : دلت الآية على وجوب موالاة المؤمنين ومعاداة الكفار ، والمراد به في أمر الدين كما تقدم . الثالث : دلت على أن الهزء بالدين كفر , وأن هزله كجدّه . قال في ( الإكليل ) : الآية أصل في تكفير المستهزئ بشيء من الشريعة . الرابع : دلت على أن للصلاة نداء وهو الأذان , فهي أصل فيه . قال الزمخشري : قيل : فيه دليل على ثبوت الأذان بنصّ الكتاب , لا بالمنام وحده . ولمّا نهى تعالى عن توليّ المستهزئين , أمر أن يخاطبوا بأن الدين منزّه ، عما يصحح صدور ما صدر عنهم من الاستهزاء , ويظهر لهم سبب ما ارتكبوا ويلقموا الحجر , بقوله تعالى : { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ … } .