Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 82-82)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } وإنما عاداهم اليهود لإيمانهم بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ؛ وعادهم المشركون لتوحيدهم وإقرارهم بنبوة الأنبياء - أشار إليه المهايميّ - . وقال غيره : لشدة إبائهم ، وتضاعف كفرهم ، وانهماكهم في اتباع الهوى ، وركونهم إلى التقليد ، وبعدهم عن التحقيق ، وتمرنهم على التمرد والاستعصاء على الأنبياء ، والاجتراء على تكذيبهم ، ومناصبتهم لهم . ولهذا قتلوا كثيراً منهم حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ، وسموه ، وسحروه ، وألّبوا عليه أشباههم من المشركين . وفي تقديم ( اليهود ) على ( المشركين ) ، بعد لزّهما في قرَن واحد ، إشعار بتقدمهم عليهم في العداوة ، كما أن في تقديمهم عليهم في قوله تعالى : { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } [ البقرة : 96 ] إيذاناً بتقدمهم عليهم في الحرص . { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ } للين جانبهم وقلة غلّ قلوبهم . قال ابن كثير : وما ذاك إلا لما في قلوبهم ، إذ كانوا على دين المسيح ، ومن الرقة والرأفة ، كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً } [ الحديد : 27 ] ، وفي كتابهم : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر . وليس القتال مشروعاً في ملّتهم . انتهى . ولأن من مذهب اليهود ، أنه يجب إيصال الشر إلى من خالف دينهم بأي طريق كان ، من القتل ونهب المال ونحوهما ، وهو عند النصارى حرام . فحصل الفرق . وقد روى ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعاً : " ما خلا يهوديّ بمسلم إلا همّ بقتله " . ولكثرة اهتمام النصارى بالعلم والترهب ، مما يدعوا إلى قلة البغضاء والحسد ، ولين العريكة ، كما أشير إليه بقوله تعالى : { ذٰلِكَ } أي : كونهم أقرب مودة للمؤمنين { بِأَنَّ مِنْهُمْ } أي : بسبب أن منهم { قِسِّيسِينَ } أي : علماء { وَرُهْبَاناً } أي : عبّاداً متجردين { وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } أي : يتواضعون لوداعتهم ولا يتكبرون كاليهود . وفي الآية دليل على أن الإقبال على العلم ، والإعراض عن الشهوات ، والبراءة من الكبر - محمود . وإن كان ذلك من كافر . لطيفة قال الناصر في ( الانتصاف ) : إنما قال تعالى : { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ } ولم يقل " النَّصَارَى " تعريضاً بصلابة اليهود في الكفر والامتناع من الامتثال للأمر ؛ لأن اليهود قيل لهم : { ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ } [ المائدة : 21 ] . فقابلوا ذلك بأن قالوا : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] . والنصارى قالوا : { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 والصف : 14 ] ومن ثم سُمَّوا نصارى . وكذلك أيضاً ورد أول هذه السورة . { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } [ المائدة : 14 ] . فأسند ذلك إلى قولهم ، والإشارة به إلى قولهم : { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 والصف : 14 ] لكنه ههنا ذكر تنبيهاً على أنهم لم يثبتوا على الميثاق ولا على ما قالوه من أنهم أنصار الله . وفي الآية الثانية ذكر تنبيهاً على أنه أقرب حالاً من اليهود . لأنهم لما ورد عليهم الأمر لم يكافحوه بالردّ مكافحة اليهود . بل قالوا : { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 والصف : 14 ] . واليهود قالت : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ … } [ المائدة : 24 ] الآية ، فهذا سره . والله أعلم .