Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 91-91)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ } أي : المشاتمة والمضاربة والمقاتلة { وَٱلْبَغْضَآءَ } القاطعة للتعاون الذي لا بد للإنسان منه في معيشته { فِي ٱلْخَمْرِ } أي : إذا صرتم نشاوي { وَٱلْمَيْسِرِ } إذا ذهب مالكم . وقد حكي أنه ربّما قامر الرجل بأهله وولده فإذا أخذه الخصم وقعت العداوة بينهما أبداً . ثم أشار إلى مفاسدهما الدينية بقوله : { وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } إذ يغلب السرور والطرب على النفوس والاستغراق في الملاذّ الجسمانية فيلهى عن ذكر الله . والميسر ، إن كان صاحبه غالباً انشرحت نفسه ومنعه حب الغلبة والقهر عن ذكر الله ، وإن كان مغلوباً ، مما حصل من الانقباض أو الاحتيال إلى أن يصير غالباً ، لا يخطر بباله ذكر الله { وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ } أي : ويصدكم عن مراعاة أوقاتها . وقوله تعالى : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } من أبلغ ما ينهى به ، كأنه قيل : قد تلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع . فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون ؟ أم أنتم على ما كنتم عليه كأن لم توعظوا ولم تزجروا ؟ أفاده الزمخشري . تنبيهات الأول : سبق الكلام على الخمر والميسر في سورة البقرة في قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [ البقرة : 219 ] وسلف أيضاً معنى الأنصاب والأزلام في أول هذه السورة عند قوله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ } [ المائدة : 3 ] فتذكر . الثاني : إنما جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أولا ، ثم أفردا آخراً ، وخصصا بشرح ما فيهما من الوبال - للتنبيه على أن المقصود بيان حالهما . وذكر الأصنام والأزلام للدلالة على أنهما مثلهما في الحرمة . كأنه لا مباينة بين من عبد صنما وأشرك بالله في علم الغيب ، وبين من شرب خمراً أو قامر . روى الحارث بن أبي أسامة في ( مسنده ) عن ابن عمرو مرفوعاً : " شارب الخمر كعابد وثن وشارب الخمر كعابد اللات والعزَّى " وإسناده حسن . وتخصيص الصلاة بالإفراد ، مع دخولها في الذكر ، للتعظيم والإشعار بأن الصادّ عنها كالصادّ عن الإيمان ، لما أنها عماده . الثالث : هذه الآية دالة على تأكيد تحريم الخمر والميسر من وجوه : ومنها : تصدير الجملة بـ ( إنما ) وذلك لأن هذه الكلمة للحصر ، فكأنه تعالى قال : لا رجس ولا شيء من عمل الشيطان إلا الخمر والميسر وما ذكر معهما . ومنها : أنه قرنهما بعبادة الأوثان . ومنها : أن جعلهما رجساً كما قال تعالى : { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [ الحج : 30 ] . ومنها : أنه جعلهما من عمل الشيطان ، والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت . ومنها : أنه أمر بالاجتناب ، وظاهر الأمر للوجوب . ومنها : أنه جعل الاجتناب من الفلاح . وإذا كان الاجتناب فلاحاً ، كان الارتكاب خيبة ومحقة . ومنها : أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال - وهو وقوع التعادي والتباغض - وما يؤديان إليه من الصدّ عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلاة . ومنها : إعادة الحث على الانتهاء بصيغة الاستفهام مرتباً على ما تقدم من أصناف الصوارف بقوله سبحانه : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } فآذن بأن الأمر في الزجر والتحذير ، وكشف ما فيهما من المفاسد والشرور قد بلغ الغاية . وأنّ الأعذار قد انقطعت بالكلية . ومنها : قوله تعالى بعد ذلك : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ … } .