Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 2-2)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } قال ابن جرير : كان ذلك ، فيما ذكر ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، قبل هجرته إلى المدينة . وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية ، فأراهم صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر حجة على صدق قوله ، وحقيقة نبوته ، فلما أراهم أعرضوا وكذبوا ، وقالوا : هذا سحر مستمر ، سَحَرَنا محمد . ثم روي ذلك عن أنس وابن مسعود وابن عباس ، وغير واحد من التابعين . وقال القاضي عياض في ( الشفا ) : أخبر تعالى بوقوع انشقاقه بلفظ الماضي ، وإعراض الكفرة عن آياته ، وأجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه ، ثم سرد الآثار في ذلك . وزعم ابن كثير أن أحاديثه متواترة ، إلا أن الشهاب نقل عن الإمام الخطابيّ أن معجزاته صلى الله عليه وسلم ، غير القرآن ، لم تتواتر . والحكمة فيه أنها لو تواترت كانت عامة ، والمعجزة إذا عمت أهلك الله من كذّبها ، كما جرت به العادة الإلهية . والنبيّ صلى الله عليه وسلم بعث رحمة ، وأمّن الله أمته من عذاب الاستئصال . ثم قال : وسبب تعرضهم للتواتر طعن بعض الملاحدة بأن القمر يشاهده كل أحد ، فلو انقسم قطعتين تواتر وشاع في جميع الناس ، ولم يخف على أحد ، والطبائع حريصة على إشاعة ما لم يعهد مثله ، ولا أغرب من هذا . مع أن الملازمة غير لازمة ؛ لأنه في الليل ، وزمان الغفلة ، ولا يلزم امتداده ، ولا أن يُرى إذ ذاك في جميع الآفاق ، لاختلاف المطالع . انتهى . وقد ذكر ابن قتيبة في ( تأويل مختلف الحديث ) : أن الذي طعن في تلك الآثار المروية عن ابن مسعود هو النظّام ، إلا أنه لم ينقل تأويله للآية على رأيه ، ولعله هو القول الثاني الذي حكاه الزمخشريّ والبيضاويّ ، ورواه أبو السعود عن عثمان بن عطاء عن أبيه أن المعنى : وسينشق القمر ، يعني يوم القيامة إذا انكدرت النجوم وانتثرت . والمراد بالآية إما القرآن أو ما يقترحونه لو أجيبوا إلى طلبه . ومعنى { مُّسْتَمِرٌّ } دائم مطرد ، أو محكم قويّ ، من ( مررت الحبل ) إذا أحكمت فتله . أو مارّ ذاهب لا يبقى ، تعليلاً لأنفسهم بالأمانيّ الفارغة . أو منفور عنه لشدة مرارته مجازاً . وجملة { وَإِن يَرَوْاْ } مستأنفة أو حالية . قال الشهاب : ولو كانت هذه الجملة حالية ، والمعنى : أن الساعة اقتربت ، وانشقاق القمر فيها دنا زمانه ، وظهرت آثاره ، والحال أنهم مصرون على العناد - كان منتظماً أتم انتظام ، ولا ضير فيه سوى مخالفته للمنقول عن السلف في تفسيرها ، فتأمل . انتهى . أقول : ولي ههنا كلمة لا بد من التنبيه عليها ، وهي أن الرمي بالإلحاد لمنكرِ حديثٍ غير مجمع على تواتره ، جناية كبرى ، وزلة عظمى . فإن باب التكفير والتضليل ، ليس بالأمر القليل ، ولأجله صنف حجة الإسلام الغزاليّ كتابه ( فيصل التفرقة ) ودمغ بحججه أولئك المتعصبين الذين سهل عليهم الرمي لمن خالفهم بالزندقة ، ولعمر الحق إن هذا مما فرّق الكلمة ، ونفَر حملة العلم عن تعرف المشارب والآراء ، حتى أصبح باب التوسع في العلم مرتجاً ، ومحيطه بعد مده منحسراً ، إذ هجرت كتب الفرق الأخرى بل أحرقت ، وأهين من يتأثلها ، ورمي بالابتداع أو التزندق ، كما يمر كثير من مثل هذا بمطالع كتب التاريخ وطبقات الرجال ، فلا جرم نسيت الأقوال الباقية ، وعدت من الشاذ غير المقبول . وإذا ألصق اسم الإلحاد بقائلها ، فماذا يكون حالها ؟ وهذا ، كما لا يخفاك ، حيف على قواعد العلم ، وغل للأفكار ، نعم ! تفلت منهم علم الأصول ، فلم تزل الأقوال الغريبة تتراءى على صفحاته ، وإن كان مما يغمز كثير منها ، إلا أنها سارت تلج آذانهم ، ويحتج بها عليهم ، وقد تنبه كثير من المحققين لما ذكرناه ، وأشاروا له في مواضع ، فقرروا في كتب العقائد أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة . وقال العلامة الفناريّ في ( فصول البدائع ) : ولا يضلل جاحد الآحاد . وقال الإمام ابن تيمية : الصواب أن من رد الخبر الصحيح ، كما كانت الصحابة ترده ، لاعتقاد غلط الناقل أو كذبه ، لاعتقاد الرادّ أن الدليل قد دل على أن الرسول لا يقول هذا ، فإن هذا لا يكفر ولا يفسق ، وإن لم يكن اعتقاده مطابقاً . فقد رد غير واحد من الصحابة غير واحد من الأخبار التي هي صحيحة عند أهل الحديث . انتهى . وذكر الغزاليّ في ( الإحياء ) في كتاب آداب تلاوة القرآن في الباب الثالث في أعمال الباطن في التلاوة ؛ أن من أركانها التخلي عن موانع الفهم . قال : فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحجب أسدلها الشيطان على قلوبهم ، فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن ، وحجب الفهم أربعة . إلى أن قال : وثانيها : أن يكون مقلداً لمذهب سمعه بالتقليد ، وجمد عليه ، وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة ، فهذا شخص قيده معتقده عن أن يجاوزه ، فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده ، فصار نظره موقوفاً على مسموعه ، فإن لمع برق على بعد وبدا له معنى من المعاني التي تباين مسموعه ، حمل عليه شيطان التقليد حملة ، وقال : كيف يخطر هذا ببالك ، وهو خلاف معتقد آبائك ؟ فيرى أن ذلك غرور الشيطان فيتباعد منه ، ويحترز عن مثله . ثم قال : رابعها : أن يكون قرأ تفسيراً ظاهراً ، واعتقد أنه لا معنى لكلمات القرآن إلا ما تناوله النقل عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما ، وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي ، وأن من فسر القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار ، فهذا أيضاً من الحجب العظيمة . ثم قال : وسنبين معنى التفسير بالرأي ، وأن ذلك لا يناقض قول عليّ رضي الله عنه : إلا أن يؤتي اللهُ عبداً فهماً في القرآن . وأنه لو كان المعنى هو الظاهر المنقول ، لما اختلف الناس فيه . ثم ذكر بعد ، عليه الرحمة ، أن النهي عن التفسير بالرأي ينزل على أحد الوجهين : أحدهما : أن يكون له في الشيء رأي ، وإليه ميل من طبعه وهواه ، فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه ، ليحتج على تصحيح غرضه ، كالمحتج على تصحيح بدعة بتأويل يخترعه تلبيساً على خصمه ، وكالجاهل المتقحّم يتأول ما شاء هواه . وثانيهما : أن يتسارع إلى التأويل بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب التنزيل . انتهى . ويأتي مثل البحث في كثير من المواضع التي فسرها بعض السلف بشيء ، أو روي فيها ما أنكره غيره لما قام لديه ، ولا ملام في معترك الأفهام - وبالله التوفيق .