Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 15-26)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } أي : مصفوفة ، أو مشبكة بالدرّ والياقوت أو الذهب . و ( الوَضْنُ ) التشبيك والنسج . { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } أي : بوجوههم ، متساوين في الرتب ، لا حجاب بينهم أصلاً . { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ } أي : للخدمة { وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } أي : مبْقَون على سنّ واحدة لا يموتون . { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ } أي : حال الشرب . و ( الكوب ) : إناء لا عروة ولا خرطوم له . و ( الإبريق ) : إناء له ذلك . { وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } أي : خمر جارية . ثم أشار إلى أنها لَذَّة كلها ، لا ألم معها ولا خمار { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } أي : لا يصدر عنها صداعهم لأجل الخمار ، كخمور الدنيا . والصداع : وجع الرأس . وقرئ بالتشديد من التفعل . أي : لا يتفرقون . { وَلاَ يُنزِفُونَ } بكسر الزاي وفتحها . أي لا تذهب عقولهم بسكرها . { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } أي : يختارون ويرتضون . وأصله أخذ الخيار والخير . قال ابن كثير : وهذه الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخيّر لها ، ثم استشهد له بحديث عكراش " لما أتي النبيّ صلى الله عليه وسلم بثريد ، وأقبل عكراش يخبط بيده في جوانبه ، فقبض النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده وقال : " يا عكراش كلْ من موضع واحد ، فإنه طعام واحد " . ثم أتي بطبق فيه تمر أو رطب ، فجعل عكراش يأكل من بين يديه ، وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق فقال : " يا عكراش ، كلّ من حيث شئت ، فإنه لون واحد " رواه الترمذي واستغربه . { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } أي : يتمنون { وَحُورٌ عِينٌ } أي : وأزواج بيض واسعة الأعين . عطف على { وِلْدَانٌ } أو مبتدأ محذوف الخبر . أي : وفيها ، أو ولهم حور . وقرئ بالجرّ عطف على { بِأَكْوَابٍ } . قال الشهاب : وحينئذ إما أن يقال : { يَطُوفُ } بمعنى : ينعمون مجازاً أو كناية ، على حدّ قوله : @ * وزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ وَالعُيُونَا * @@ أو يبقى على حقيقته وظاهره ، وأن الولدان تطوف عليهم بالحور أيضاً ، لعرض أنواع اللذات عليهم من المأكول والمشروب والمنكوح ، كما تأتي الخدام بالسراري للملوك ويعرضونهن عليهم . وإلى هذا ذهب أبو عمرو وقطرب وجوّز جعله من الجر الجواري . قيل : والفصل يأباه ويضعفه . وأما عطفه على { جَنَّاتٍ } بتقدير مضاف . أي : هم في جنات ، ومصاحبة حور - فقال أبو حيّان : هو فهم أعجميّ ، فيه بُعد وتفكيك للكلام المرتبط ، وهو ظاهر . ومَن عصّبه فقد تعصب . { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } أي : صفاؤهن كصفاء الدّرّ في الأصداف الذي لا تمسّه الأيدي . وأصل { ٱلْمَكْنُونِ } الذي صِينَ في كِنّ . { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي : من الصالحات . { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } أي : هذياناً وكلاماً غير مفيد ، باطلاً من القول . { وَلاَ تَأْثِيماً } أي : ما يؤثم من الفحش والكذب والغيبة وأمثالها . { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } قال القاشانيّ : أي : قولاً هو سلام في نفسه منزّه عن النقائص ، مبرّأ عن الفضول والزوائد . أو قولاً يفيد سلامة السامع من العيوب والنقائص ، ويوجب سروره وكرامته ، ويبيّن كماله وبهجته ؛ لكون كلامهم كله معارف وحقائق ، وتحايا ولطائف ، على اختلاف وجهي الإعراب ، أي من كون { سَلاَماً } بدلا من { قِيلاً } ، أو مفعوله . والتكرير للدلالة على فشوّ السلام بينهم وكثرته ؛ لأن المراد : سلاماً بعد سلام ، كقرأت النحو باباً باباً . فيدلّ على تكرّره وكثرته .