Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 86-96)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } أي : غير مجزيين يوم القيامة . أو مملوكين مقهورين . من ( دانه ) أذله واستعبده . { تَرْجِعُونَهَآ } أي : تردّون النفس إلى مقرها عند بلوغها الحلقوم { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي : في أنكم غير مسوسين ، مربوبين مقهورين . يعني : أنكم مجبرون عاجزون تحت قهر الربوبية ، وإلا لأمكنكم دفع ما تكرهون أشد الكراهية ، وهو الموت . { فَأَمَّآ إِن كَانَ } أي : الميت { مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } أي : السابقين من الأصناف الثلاثة المذكورة في أول السورة { فَرَوْحٌ } أي : فله راحة { وَرَيْحَانٌ } أي : رزق طيب ، أو شجر ناضر يتفيأ ظلاله { وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } أي : يتنعم فيها مما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ * فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } . قال ابن كثير : أي : تبشرهم الملائكة بذلك . تقول لأحدهم : سلام لك ، أي : لا بأس عليك أنت إلى سلامة ، أنت من أصحاب اليمين . وقال قتادة وابن زيد : سلم من عذاب الله ، وسلّمت عليه ملائكة الله ، كما قال عكرمة : تسلم عليه الملائكة ، وتخبره أنه من أصحاب اليمين . وهذا معنى حسن . ويكون ذلك كقول الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ … } الآيات [ فصلت : 30 ] . انتهى . وقال الرازي : في السلام وجوه : أولها : يسلم به صاحب اليمين ، على صاحب اليمين كما قال تعالى من قبل : { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } [ الواقعة : 25 - 26 ] . ثانيها : { فَسَلاَمٌ لَّكَ } أي : سلامة لك من أمرٍ خاف قلبُك منه ، فإنه في أعلى المراتب . وهذا كما يقال لمن تعلق قلبه بولده الغائب عنه ، إذا كان يخدم عند كريم : كن فارغاً من جانب ولدك ، فإنه في راحة . ثالثها : أن هذه الجملة تفيد عظمة حالهم ، كما يقال : فلان ناهيك به ، وحسبك أنه فلان . إشارة إلى أنه ممدوح فوق حد الفضل . انتهى . ثم قال الرازيّ : والخطاب بقوله : { لَّكَ } يحتمل أن يكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ فيه وجه ، وهو ما ذكرنا أن ذلك تسلية لقلب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإنهم غير محتاجين إلى شيء من الشفاعة وغيرها . فسلام لك يا محمد منهم ، فإنهم في سلامة وعافية ، لا يهمك أمرهم . أو فسلام لك يا محمد منهم ، وكونهم ممن يسلم على محمد صلى الله عليه وسلم دليل العظمة ، فإن العظيم لا يسلم عليه إلا عظيم . انتهى . { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ } أي : بآيات الله { ٱلضَّآلِّينَ } أي : الجائرين عن سبيله . { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } أي : ماء انتهى حرّه ، فهو شرابه { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } أي : إحراق بالنار { إِنَّ هَـٰذَا } أي : المذكور من أحوال الفرق الثلاثة وعواقبهم { لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } أي : حقيقة الأمر ، وجلية الحال ، لا لبس فيه ولا ارتياب . والإضافة إما من إضافة الموصوف إلى الصفة ، أي : الحق اليقين ، كما يقال : دار الآخرة ، والدار الآخرة ؛ أو بالعكس ، أي : اليقين الحق . أو من إضافة العام للخاص ، أي : كعلم الأمر اليقين . فالإضافة حينئذ لامية ، أو بمعنى : ( من ) . تنبيه في ( الإكليل ) : استدل بالآيات هذه على أن الروح بعد مفارقة البدن ، منعّمة أو معذّبة ، وعلى أن مقر أرواح المؤمنين في الجنة ، وأرواح الكافرين في النار . { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } أي : نزهه عما يصفونه به من الأباطيل ، وما يتفوهون به من الأضاليل ، قولاً وعملاً .