Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 22-24)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي : المعبود الذي لا تنبغي العبادة والإلوهية إلا له { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } أي : ما غاب عن الحس وما شوهد { هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } أي : المنعم بالنعم العامة والخاصة . ومن كان مطلعاً على الأسرار يحب أن يخشع له ، ويخشى منه ، لاسيما من حيث كونه منعماً . إذ حق المنعم أن يخشع له ، ويخشى أن تسلب نعمه { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ } أي : الغنيّ المطلق الذي يحتاج إليه كل شيء ، المدبر للكل في ترتيب نظام لا أكمل منه { ٱلْقُدُّوسُ } أي : المنزه عما لا يليق بجلاله ، تنزهاً بليغاً { ٱلسَّلاَمُ } أي : الذي يسلم خلقه من ظلمه ، أو المبرأ عن النقائص كالعجز { ٱلْمُؤْمِنُ } أي : لأهل اليقين بإنزال السكينة ، ومن فزع الآخرة { ٱلْمُهَيْمِنُ } أي : الرقيب على كل شيء باطلاعه واستيلائه وحفظه { ٱلْعَزِيزُ } أي : القويّ الذي يَغلب ولا يُغلب { ٱلْجَبَّارُ } أي : الذي تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل أحد ، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد ، والذي لا يخرج أحد عن قبضته - قاله الغزاليّ في ( المقصد الأسنى ) . وقال الإمام ابن القيّم في ( الكافية الشافية ) : @ وكذلك ( الجبارُ ) من أوصافه والجبر في أوصافه قِسْمَانِ جبرُ الضعيف وكل قلب قد غدا ذا كسرة ، فالجبرُ منه دانيِ والثانِ جبر القهر بالعزّ الذي لا ينبغي لسواه من إنسانِ وله مسمَّى ثالثٌّ وهو العلـ ـوّ فليس يدنو منه من إنسانِ من قولهم ( جبّارةٌ ) للنخلة الـ ـعليا التي فاتَتْ بكل بَنَانِ @@ { ٱلْمُتَكَبِّرُ } أي : الذي يرى الكل حقيراً بالإضافة إلى ذاته ، ولا يرى العظمة والكبرياء إلا لنفسه ، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد . { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : من الأوثان والشفعاء . { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ } أي : المقدّر للأشياء على مقتضى حكمته . { ٱلْبَارِىءُ } أي : الموجد لها بعد عدم . { ٱلْمُصَوِّرُ } أي : الكائنات كما شاء . { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي : الدالة على محاسن المعاني ، وأحاسن الممادح . { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي : في تدبيره خلقه ، وصرفهم فيما فيه صلاحهم وسعادتهم . تنبيهات الأول : قال السيد ابن المرتضى في ( إيثار الحق ) : مقام معرفة كمال الرب الكريم ، وما يجب له من نعوته وأسمائه الحسنى ، من تمام التوحيد الذي لا بد منه ؛ لأن كمال الذات بأسمائها الحسنى ، ونعوتها الشريفة . ولا كمال لذات لا نعت لها ولا اسم . ولذلك عُدَّ مذهب الملاحدة في مدح الرب بنفيها من أعظم مكايدهم للإسلام ، فإنهم عكسوا المعلوم عقلاً وسمعاً فذموا الأمر المحمود ، ومدحوا الأمر المذموم القائم مقام النفي ، والجحد المحض ، وضادّوا كتاب الله ونصوصه الساطعة . قال الله جل جلاله : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ } [ الأعراف : 180 ] وقال سبحانه وتعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الإسراء : 110 ] فما كان منها منصوصاً في كتاب الله وجب الإيمان به على الجميع ، والإنكار على من جحده ، أو زعم أن ظاهر اسم ذمّ لله سبحانه . وما كان في الحديث وجب الإيمان به على من عرف صحته . وما نزل عن هذه المرتبة ، أو كان مختلفاً في صحته لم يصح استعماله ، فإن الله أجلّ من أن يسمّى باسم لم يُتحقق أنه تسمّى به . ثم قال : وعادة بعض المحدّثين أن يوردوا جميع ما ورد في الحديث المشهور في تعدادها ، مع الاختلاف الشهير في صحته . وحسبك أن البخاريّ ومسلماً تركا تخريجه مع رواية أوّله . واتفاقُهما على ذلك يشعر بقوة العلة فيه . ولكن الأكثرين اعتمدوا ذلك تعرضاً لفضل الله العظيم في وعده من أحصاها بالجنة ، كما اتفق على صحته . وليس يستيقن إحصاؤها بذلك إلا لو لم يكن لله سبحانه اسم غير تلك الأسماء ، فأما إذا كانت أسماؤها سبحانه أكثر من أن تحصى ، بطل اليقين بذلك ، وكان الأحسن الاقتصار على ما في كتاب الله ، وما اتفق على صحته بعد ذلك وهو النادر . وقد ثبت أن أسماء الله تعالى أكثر من ذلك المرويّ بالضرورة والنص . ثم أطال رحمه الله في ذلك وأطاب . فليرجع إليه النَّهِمُ بالتحقيقات . الثاني : قال الغزاليّ في ( المقصد الأسنى ) : وهو من أنفس ما ألف في معاني الأسماء الحسنى : هل الصفات والأسامي المطلقة على الله تعالى تقف على التوقيف ، أو تجوز بطريق العقل ؟ والذي مال إليه القاضي أبو بكر الباقلاني أن ذلك جائز ، إلا ما منع منه الشرع ، أو أشعر بما يستحيل معناه على الله تعالى . فأما ما لا مانع فيه فإنه جائز . والذي ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعري ، رحمة الله عليه ، أن ذلك موقوف على التوقيف ، فلا يجوز أن يطلق في حق الله تعالى ما هو موصوف بمعناه ، إلا إذا أذن فيه . والمختار عندنا أن نفصل ونقول : كل ما يرجع إلى الاسم ، فذلك موقوف على الإذن ، وما يرجع إلى الوصف ، فذلك لا يقف على الإذن ، بل الصادق منه مباح دون الكاذب . ثم جوّد رحمه الله البيان بما لا غاية بعده . الثالث : قال السيد ابن المرتضى في ( إيثار الحق ) : قد تكلم على معانيها جماعة من أهل العلم والتفسير ، وأكثرها واضح ، والعصمة فيها عدم التشبيه ، واعتقاد أن المراد بها أكمل معانيها ، الكمال الذي لا يحيط بحقيقته إلا الله تعالى . ثم قال : ولا بد من الإشارة هنا إلى أمر جمليّ ، وهو أصل عظيم ، وذلك تفسير الحسنى جملة : فاعلم أنها جمع ( الأحسن ) لا جمع الحسن . وتحت هذا سر نفيس : وذلك أن ( الحسن ) من صفات الألفاظ ، ومن صفات المعاني . فكل لفظ له معنيان حسن وأحسن ، فالمراد الأحسن منهما حتى يصح جمعه ( حُسْنَى ) ، ولا يفسّر بالحسن منهما إلا الأحسن بهذا الوجه ، ثم بّين مثال ذلك فانظره .