Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 114-114)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } على تقدير القول ، كما في نظائره ، أي : قل لهم : أفغير الله أطلب من يحكم بيني وبينكم ، ويفصل المحق منًّا من المبطل . والمعنى : أطلب معبوداً ؛ لأنهم كانوا يتحاكمون إلى طواغيتهم - وهذا عندي أظهر - ثم رأيت في ( تنوير المقباس ) الاقتصار عليه ، حيث قال : { أَبْتَغِي حَكَماً } أعبد رباً . وأما كون الآية واردة على قولهم : ( اجعل بيننا وبينك حكماً ) فلا يصح ؛ لأنهم بمعزل عن الانصياع لذلك . { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ } أي : القرآن المعجز ، { مُفَصَّلاً } أي : مبيناً فيه الفصل بين الحق والباطل ، والحلال والحرام ، وأنتم أمة أمية ، لا تدرون ما تأتون وما تذرون . وفي الآية مسائل الأولى : قال في ( الإكليل ) : استدل الخوارج بقوله تعالى : { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } على إنكارهم التحكيم . قال : وهو مردود ، فإن التحكيم المنكر أن يريد حكماً يحكم بغير ما حكم الله تعالى . انتهى . قلت : هذا مبنيّ على الوجه الأول ، وقد عرفت أن الأظهر الوجه الثاني ، فلا استدلال ، ولا ردّ . الثانية : قالوا : الحكم أبلغ من الحاكم ، وأدل على الرسوخ ، لما أنه لا يطلق إلا على العادل ، وعلى من تكرر منه الحُكْم ، بخلاف الحاكم . الثالثة : في الآية تنبيه على أن القرآن الكريم كافٍ في أمر الدين ، مغنٍ عن غيره ، ببيانه وتفصيله . { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } لما عندهم من البشارات بك من الأنبياء المتقدمين ، ولتصديقه ما عندهم ، مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يمارس كتبهم ، ولم يخالط علماءهم . وهذا تقرير لكونه منزلاً من عند الله ببيان أن الذين وثق بهم المشركون من علماء أهل الكتاب عالمون بحقيته ونزوله من عنده تعالى . { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } أي : في أنه منزل من ربك بالحق ، بسبب جحود أكثرهم وكفرهم به ، فيكون من باب التهييج والإلهاب ، كقوله تعالى : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] . قال ابن كثير : هذا كقوله تعالى : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ يونس : 94 ] . قال : وهذا شرط ، والشرط لا يقتضي وقوعه . ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا أشك ولا أسأل " انتهى .