Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 121-121)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } أي : عند ذبحه . أي : بأن ذكر عليه اسم غيره ، يعني : ذبح لغيره تعالى . { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } والفسق : ما أُهِلَّ لغير الله به ، كما في الآية الآتية آخر السورة . قال المهايميّ : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } أي : خروج عن الحسن إلى القبح ، يتناول ما تنجس بالموت بلا مانع عن تأثيره . { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ } أي : يوسوسون { إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ } أي : من الكفار ، { لِيُجَٰدِلُوكُمْ } أي : في تحليل الميتة ، { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } أي : في تحليل ما حرم الله ، أو تحريم ما أحل ، { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } أي : لهم مع الله ، فيما يختص به من التحليل والتحريم . تنبيهات الأول : روي في سبب نزول هذه الآيات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أتى ناس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إنا نأكل ما نقتل ، ولا نأكل ما يقتل الله تعالى ، فأنزل الله تعالى : { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } [ الأنعام : 118 ] إلى قوله : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 118 ] . أخرجه أصحاب السنن . وفي رواية لأبي داود في قوله تعالى : { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ } قال : يقولون ما ذبح الله - فلا تأكلوا ، وما ذبحتم أنتم فكلوا ؟ فأنزل الله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } ، فنسخ ، واستثنى من ذلك فقال : { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } [ المائدة : 5 ] . وعند النسائي قال : خاصمهم المشركون ، فقالوا : ما ذَبَحَ الله لا تأكلونه ، وما ذبحتم أنتم أكلتموه ؟ - كذا في تيسير الوصول . الثاني : دلت الآية على مشروعية التسمية عند الذبح فقيل : باسم الله ، بهذا اللفظ الكريم . وقيل : بكل قول فيه تعظيم له كالرحمن ، وسائر أسمائه الحسنى ، لقوله تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [ الإسراء : 110 ] ، ولقوله تعالى : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] . الثالث : ما قدمناه من حمل الآية على ما ذبح لغير الله تعالى هو الأظهر في تأويلها ، لقوله تعالى بعدُ : { أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [ الأنعام : 145 ] ومراعاة النظائر في القرآن أولى ما يلتمس به المراد . وقد روى ابن أبي حاتم عن عطاء قال : نزلت في ذبائح كانت تذبحها قريش على الأوثان ، وذبائح المجوس . وقد حاول بعضهم أن يقويه فجعل الواو في قوله : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } حالية ، لقبح عطف الخبر على الإنشاء . قال : والمعنى : لا تأكلوه حال كونه فسقاً ، والفسق مجمل يفسره قوله : { أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [ الأنعام : 145 ] ، فيكون النهي مخصوصاً بما أهل لغير الله به ، فيبقى ما عداه حلالاً ، إما بالمفهوم ، أو بعموم دليل الحل ، أو بحكم الأصل . واعترض على هذا الحمل بأنه يقتضي ألا يتناول النهي أكل الميتة ، مع أنه سبب النزول ، وبأن التأكيد بـ ( إن ) و ( اللام ) ينفي كون الجملة حالية ، لأنه إنما يحسن فيما قصد الإعلام بتحققه ألبتة ، والرد على منكر تحقيقاً أو تقديراً ( على ما بين في المعاني ) ، والحال الواقع في الأمر والنهي مبناه على التقدير ، كأنه قيل : لا تأكلوا منه إن كان فسقاً ، فلا يحسن { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } بل ( وهو فسق ) وأجيب عن الأول بأنه دخل بقوله : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } { أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [ الأنعام : 145 ] وبقوله : { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ … } إلخ الميتة ، فيتحقق أن هذا النهي مخصوص بما ذبح على النصب ، أو مات حتف أنفه . وعن الثاني بأنه لما كان المراد بالفسق ههنا الإهلال لغير الله ، كان التأكيد مناسباً ، كأنه قيل : لا تأكلوا منه إذا كان هذا النوع من الفسق الذي الحكم به متحقق ، والمشركون ينكرونه - كذا في العناية . ومما يقو به أيضاً قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } على أن المراد به الخروج عن طاعة الله تعالى ، وهو وجه ثان فيه ، وقوله تعالى : { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } فإن من أكل الميتة ، أو ما ذبح على النصب فسق ، ومع الاستحلال يكفر ، بخلاف ما ذبحه المسلم ولم يسمّ عليه ، فإن آكله لا يفسق ولا يكفر إجماعاً - أشار له الرازيّ - وحينئذ فلا دلالة في الآية على تحريم ذبيحة المسلم التي تركت التسمية عليها ، عمداً أو سهواً . وقد روى أبو داود في ( مراسيله ) عن الصلت السدوسيّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذبيحة المسلم حلال ، ذكر اسم الله أو لم يذكره ، إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله " . قال الحافظ ابن كثير : وهذا مرسل يعضد بما رواه الدارقطنيّ عن ابن عباس أنه قال : " إذا ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله ، فليأكل ، فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله تعالى " . واحتج البيهقي أيضاً بحديث عائشة رضي الله عنها أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : " إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا ، فقال : " سموا عليه أنتم وكلوه " . قالت : وكانوا حديثي عهدٍ بكفر " - رواه البخاري والنسائيّ - قال : فلو كان وجود التسمية شرطاً لم يرخص لهم إلا مع تحققها . وكذا قال الخطابيّ : فيه دليل على أن التسمية غير شرط على الذبيحة ؛ لأنها لو كانت شرطاً لم تستبح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه ، كما لو عرض الشك في نفس الذبيحة ، فلم يعلم هل وقعت الذكاة المعتبرة أم لا ؟ وهذا هو المتبادر من سياق الحديث ، حيث وقع الجواب فيه : ( سموا أنتم ) ، كأنه قيل لهم : لا تهتموا بذلك ، بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا . وهذا من الأسلوب الحكيم . ومما يدل أيضاً قوله تعالى : { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ } [ المائدة : 5 ] فأباح الأكل من ذبائحهم ، مع وجود الشك في أنهم سمّوا أم لا . هذا ، وقد تمسك بظاهر الآية قوم فذهبوا إلى أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها ، وإن كان الذابح مسلماً ، عمداً تركت التسمية أو نسياناً . واحتجوا أيضاً بقوله تعالى في آية الصيد : { فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [ المائدة : 4 ] ، وبالأحاديث الواردة في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد ، كحديثي عديّ بن حاتم وأبي ثعلبة : " إذا أرسلت كلبك المعلَّم ، وذكرت اسم الله فكل " ، وهما في الصحيحين . وحديث رافع بن خديج : " ما أنهر الدمَ وذُكِر اسمُ الله فكلوه " - في الصحيحين أيضاً - . وحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للجنّ : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه " رواه مسلم . وحديث جندب بن سفيان البجليّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ذبح قبل أن يصلي ، فليذبح مكانها أخرى ، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا ، فليذبح باسم الله " أخرجاه . قالوا : ففي هذه الأحاديث إيقاف الإذن في الأكل على التسمية ، والمعلق بالوصف يلتقي عند انتفائه ، عند من يقول بالمفهوم . والشرط أقوى من الوصف . واحتجوا أيضاً بحديث عائشة المتقدم " سموا عليه أنتم وكلوا " . قالوا : إن القوم فهموا أن التسمية لا بد منها . وخشوا ألا تكون وجدت من أولئك ، لحداثة إسلامهم ، فأمرهم بالاحتياط بالتسمية عن الأكل ، لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح ، إن لم تكن وجدت . أي : فتسميتكم الآن تستبيحون بها كل ما لم تعلموا أذَكَرُوا اسم الله عليه أم لا ، إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمّى . قالوا : ويستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة ، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين ؛ لأن الغالب أنهم عرفوا التسمية . انتهى . وأجاب من حمل الآية على الوجه الأول ؛ بأن الأمر في حديث عديّ وأبي ثعلبة محمول على التنزيه ، من أجل أنهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية ، فعلمهما النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر الصيد والذبح ، فرضه ومندوبه ، لئلا يوافقا شبهة في ذلك ، وليأخذا بأكمل الأمور . وأما الذين سألوا عن تلك الذبائح ، فإنهم سألوا عن أمر قد وقع لغيرهم ، فعرّضهم بأصل الحل فيه . وقال ابن التين : يحتمل أن يراد التسمية هنا عند الأكل ، وبذلك جزم النوويّ . وأما التسمية على ذبحٍ تولاه غيرهم ، فلا تكلف عليهم فيه ، وإنما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها . وقال المهلب : هذا الحديث أصل في أن التسمية ليست فرضاً ، فلما نابت تسميتهم عن التسمية على الذبح ، دل على أنها سنة ؛ لأن السنة لا تنوب عن فرض . انتهى . وذهب بعض من اشترط التسمية في الحل إلى جواز أكل ما تُرِكتْ عليه سهواً لا عمداً . واحتج بما رواه البيهقي عن ابن عباس مرفوعاً : " المسلم يكفيه اسمه ، إن نسي أن يسمي حين يذبح ، فليذكر اسم الله وليأكله " قال الحافظ ابن كثير : وَرَفْعُهُ خطأ . والصواب وقفه على ابن عباس ، من قوله . نص عليه البيهقيّ . واحتج أيضاً بالحديث المرويّ من طرق عند ابن ماجه عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي ذر وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " . ورواه الطبراني عن ثوبان مرفوعاً بلفظ : " رفع عن أمتي الخطأ … " الحديث . وروى ابن عديّ عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي ! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " اسم الله على كل مسلم " . قال ابن كثير : وإسناده ضعيف . وقد علمت الأظهر في تأويل الآية أولاً - والله أعلم - . الرابع : قال ابن جرير : اختلف أهل العلم في هذه الآية : هل نُسِخ من حُكمها شيء أم لا ؟ فقال بعضهم : لم ينسخ منها شيء ، وهي محكمة فيما عُنِيتْ به . وعلى هذا قول مجاهد وعامة أهل العلم . وروي عن الحسن البصريّ وعكرمة أنه تعالى نسخ من هذه الآية واستثنى قوله : " وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ " [ المائدة : 5 ] . وروى ابن أبي حاتم عن مكحول أيضاً أنه تعالى نسخها بذلك وأحل طعام أهل الكتاب . قال ابن جرير : والصواب أنه لا تعارض بين حل طعام أهل الكتاب ، وبين تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه . قال ابن كثير : وهذا الذي قاله صحيح . ومن أطلق من السلف النسخ ههنا ، فإنما أراد التخصيص . انتهى . وقد قدمنا في المقدمة أنه علم من استقراء كلام الصحابة والتابعين أنهم كانوا يستعملون النسخ بإزاء المعنى اللغويّ ، الذي هو إزالة شيء بشيء ، لا بإزاء مصطلح الأصوليين . فمعنى النسخ عندهم : إزالة بعض الأوصاف من الآية بآية أخرى . إما بانتهاء مدة العمل ، أو بصرف الكلام عن المعنى المتبادر إلى غيره ، أو بيان كون قيد من القيود اتفاقياً ، أو تخصيص عامّ ، وغير ذلك مما أسلفنا ، فتذكر . الخامس : قال الزجاج : في قوله تعالى : { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } دليل على أن كل من أحل شيئاً مما حرم الله تعالى ، أو حرم شيئاً مما أحل الله تعالى ، فهو مشرك . وإنما سمي مشركاً لأنه أثبت حاكماً سوى الله تعالى . وهذا هو الشرك . انتهى . وقال ابن كثير : { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } أي : حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره ، فقدّمتم عليه غيره ، فهذا هو الشرك . كقوله تعالى : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ … } [ التوبة : 31 ] الآية . وقد روى الترمذي في تفسيرها عن عديّ بن حاتم أنه قال : " يا رسول الله ، ما عبدوهم . قال : " إنهم أحلوا لهم الحرام ، وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم . فذاك عبادتهم إياهم " انتهى . السادس : قال الكعبيّ : الآية حجة على أن ( الإيمان ) اسم لجميع الطاعات ، وإن كان معناه في اللغة : التصديق ، كما جعل تعالى ( الشرك ) اسماً لكل ما كان مخالفاً لله تعالى ، وإن كان في اللغة مختصاً بمن يعتقد أن لله شريكاً ، بدليل أنه تعالى سمى طاعة المؤمنين للمشركين ، في إباحة الميتة ، شركاً . وتعقبه الرازيّ : بأنه لِمَ لا يجوز أن يكون المراد من الشرك ههنا اعتقاد أن لله شريكاً في الحكم والتكليف ؟ وبهذا التقدير يرجع معنى هذا الشرك إلى الاعتقاد فقط . انتهى . ثم ضرب تعالى مثلاً للمؤمن والكافر ، لتنفير المسلمين عن طاعة المشركين ، إثر تحذيرهم عنها ، بقوله سبحانه : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ … } .