Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 165-165)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } جمع خليفة . أي : يخلف بعضكم بعضا فيها ، فتعمرونها خلفا بعد سلف ، للتصرف بوجوه مختلفة { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } أي : فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساويء والمناظر والأشكال والألوان ، وله الحكمة في ذلك . كقوله تعالى : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } [ الزخرف : 32 ] . وقوله سبحانه : { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 21 ] ، وقوله تعالى : { لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ } أي : ليختبركم في الذي أنعم به عليكم ، أي امتحنكم ، ليختبر الغنيّ في غناه ويسأله عن شكره ، والفقير في فقره ويسأله عن صبره . وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الدنيا حلوة خضرة . وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون . فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " أفاده ابن كثير . ثم رهّب تعالى من معصيته ورغّب في طاعته بقوله سبحانه { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } أي : لمن عصاه وخالف رسله { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي : لمن والاه واتبع رسله . لطائف الأولى : قال السيوطيّ في ( الإكليل ) . استدل بقوله تعالى : { جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } من أجاز أن يقال للإمام : خليفة الله . انتهى . أي : بناء على وجهٍ في الآية . وهو أن المعنى : جعلكم خلائف الله في الأرض تتصرفون فيها . ذكره المفسرون . وآثرتُ ، قبلُ غيرَ هذا الوجه لأنه أدق وأظهر . والله أعلم . الثانية : قال القاضي : وصف العقاب ولم يضفه إلى نفسه ، ووصف ذاته بالمغفرة وضم إليه الوصف بالرحمة ، وأتى ببناء المبالغة واللام المبالغة واللام المؤكدة - تنبيهاً على أنه سبحانه وتعالى غفور بالذات ، معاقب بالعرض ، كثير الرحمة مبالغ فيها ، قليل العقوبة مسامح فيها . انتهى . الثالثة : قال ابن كثير : إن الحق تعالى ، كثيراً ما يقرن في القرآن بين هاتين الصفتين كقوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ الرعد : 6 ] وقوله : { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } [ الحجر : 49 - 50 ] إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على الترغيب والترهيب . فتارة يدعو عباده إليه بالرغبة وصفة الجنة والترغيب فيما لديه . وتارة يدعوهم إليه بالرهبة وذكر النار وأنكالها وعذابها والقيامة وأهوالها . وتارة بهما . لينجع في كلّ بحسبه . جعلنا الله ممن أطاعه فيما أمر ، وترك ما نهى عنه وزجر ، أنه قريب مجيب . قد تم بحمده تعالى الكلام على ( محاسن التأويل ) سورة الأنعام ، وذلك ضحوة الأربعاء في 28 ربيع الأول . في شباك السدّة اليمنى العليا من جامع السنانية عام 1321هـ ، وكان تخللّ مدة شهر ونصف ، وقفت عن كتابة شيء من هذه السورة فيها ، وذلك من آخر البحث في قوله تعالى : { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ … } [ الأنعام : 148 ] الآية ، لعارض رحلتي إلى بيت المقدس في 28 محرم من العام المذكور . وبعد العود إلى الوطن في 8 ربيع الأول بدأت من قوله تعالى : { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ … } [ الأنعام : 150 ] الآية ، في 20 ربيع الأول ، وتمت السورة في التاريخ المتقدم ، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله . بقلم جامعه جمال الدين القاسمي . - ويليه الجزء الخامس - ويحتوي على تفسير سور : الأعراف والأنفال ، التوبة .