Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 28-28)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ } إضراب عما يدل عليه تمنيهم الباطل من الوعد ، بالتصديق والإيمان ، أي : ليس ذلك عن عزم صحيح ، وخلوص اعتقاد ، بل هو بسبب آخر ، وهو أنه ظهر لهم ما كانوا يكتمون في أنفسهم من الكفر والشرك ، بقولهم : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ، وعرفوا أنهم هالكون بشركهم ، فتمنوا لذلك ، أو بشهادة جوارحهم عليهم ، أو ما كانوا يكتمون في أنفسهم في الدنيا من صدق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه ، كقوله تعالى مخبراً عن موسى أنه قال لفرعون : { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ … } [ الإسراء : 102 ] الآية وقوله تعالى مخبراً عن فرعون وقومه : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [ النمل : 14 ] . أو هذه الآية إخبار عن حال المنافقين ، وأنه يظهر نفاقهم الذي كانوا يسرونه . ولا ينافي هذا كون السورة مكية ، والنفاق إنما كان من بعض أهل المدينة ، ومن حولها من الأعراب بعد الهجرة ؛ لأن الله تعالى ذكر وقوع النفاق في سورة مكية وهي ( العنكبوت ) فقال : { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } [ العنكبوت : 11 ] . هذا ما ذكروه مما يمكن تنزيل اللفظ الكريم عليه لعمومه . وقد ناقش في ذلك كلّه العلامةُ أبو السعود ، واعتمد أن المراد بـ ( ما كانُوا يُخفُونه فيِ الدنيا ) النارُ التي وقفوا عليها ، إذ هي التي سيق الكلام لتهويل أمرها ، والتعجيب من فظاعة حال الموقوفين عليها ، و ( بإخفائها ) تكذيبهم بها ، فإن التكذيب بالشيء كفر به ، وإخفاء له لا محالة . وإيثاره على صريح التكذيب الوارد في قوله عز وجل : { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } [ الرحمن : 43 ] ، وقوله تعالى : { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } [ الطور : 14 ] ، مع كونه أنسب بما قبله من قولهم : { وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا } [ الأنعام : 27 ] لمراعاة ما في مقابلته من البدو . هذا هو الذي تستدعيه جزالة النظم الكريم . ثم قال في الوجوه المتقدمة : إنه بعد الإغضاء عما في كل منها من الاعتساف والاختلال ، لا سبيل إلى شيء من ذلك أصلا ، لما عرفت من أن سوق النظم الشريف لتهويل أمر النار ، وتفظيع حال أهلها ، وقد ذكر وقوفهم عليها ، وأشير إلى أنه اعتراهم عند ذلك من الخوف والخشية والحيرة والدهشة ما لا يحيط به الوصف . ورتب عليه تمنيهم المذكور بـ ( الفاء ) القاضية بسببية ما قبلها لما بعدها ، فإسقاط النار بعد ذلك من تلك السببية ، وهي نفسها أدهى الدواهي ، وأزجر الزواجر ، وإسنادها إلى شيء من الأمور المذكورة التي دونها في الهول والزجر ، مع عدم جريان ذكرها ، ثَمَّت - أمر يجب تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله . وأما ما قيل من أن المراد جزاء ما كانوا يخفون ، فمن قبيل دخول البيوت من ظهورها ، وأبوابها مفتوحة . فتأمل . أقول : لا ريب في بلاغة ما قرره ونفاسته ، لولا تكلفه حمل الإخفاء على ما ذكره ، مما هو غير ظاهر فيه ، وليس له نظائر في التنزيل الكريم . فمجازيته حينئذ من قبيل المعمى . وفي الوجوه الأول إبقاؤه على حقيقته بلا تكلف ، وشموله لها - غير بعيد ؛ لأن في كل منها ما يؤيده ، كما بيناه ، غاية الأمر أنما قرره وجه منها بديع . وأما كونه المراد لا غير ، فدونه خرط القتاد - والله أعلم بأسرار كتابه - . { وَلَوْ رُدُّواْ } أي : عن موقفهم ذلك إلى الدنيا كما تمنوه ، وغاب عنهم ما شاهدوه من الأهوال { لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } من الكفر والشرك { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } في وعدهم بالإيمان ، أو ديدنهم الكذب في أحوالهم .