Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 43-43)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } أي : بالتوبة والتمسكن . معناه . نفي التضرع . كأنه قيل : فلم يتضرعوا . وجيء بـ ( لَوْلا ) ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم ، كما قال : { وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } فلم يكن فيها لين يوجب التضرع ، ولم ينزجروا وإنما ابتلوا به ، { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } أي : من الشرك ، فالاستدراك على المعنى لبيان الصارف لهم عن التضرع ، وأنه لا مانع لهم إلا قساوة قلوبهم ، وإعجابهم بأعمالهم المزينة لهم . لطيفة إن قلت : قد أسند تعالى هنا التزيين إلى الشيطان ، وأسنده إلى نفسه في قوله : { كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } [ الأنعام : 108 ] فهل هو حقيقة فيهما ، أو في أحدهما ؟ قلت : وقع التزيين في مواقع كثيرة : فتارة أسنده إلى الشيطان ، كالآية الأولى ، وتارة إلى نفسه كالثانية ، وتارة إلى البشر كقوله : { زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ } [ الأنعام : 137 ] - في قراءة - وتارة مجهولاً غير مذكور فاعله كقوله : { زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ } [ يونس : 12 ] ، لأن التزيين له معان يشهد بها الاستعمال واللغة : أحدها : إيجاد الشيء حسناً مزيناً في نفس الأمر ، كقوله تعالى : { زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا } [ الصافات : 6 ، وفصلت : 12 ، والملك : 5 ] . والثاني : جعله مزينا من غير إيجاد ، كتزيين الماشطة العروس ، والثالث : جعله محبوباً للنفس ، مشتهى للطبع ، وإن لم يكن في نفسه كذلك . فهذا إن كان بمعنى خلق الميل في النفس والطبع لا يسند إلا إلى الله ؛ لأنه الفاعل له حقيقة ، لإيجاده له ، ولغة ونحواً لاتصافه بخلقه . وإن كان بمجرد تزويره وترويجه بالقول وما يشبههه ، كالوسوسة والإغواء ، فهذا لا يسند إليه تعالى حقيقة ، وإنما يسند إلى البشر أو الشيطان . وإذا لم يذكر فاعله ، يقدّر في كل مكان ما يليق به - كذا في العناية - .