Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 50-50)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } أي : قل لهؤلاء المشركين المقترحين عليك تارة تنزيل الآيات ، وأخرى غير ذلك : لا أدعي أن خزائن رزق الله مفوضة إليّ ، فأعطيكم منها ما تريدون من قلب الجبال ذهباً ، وغير ذلك . ( والخزائن : جمع خزانة ، وهي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء . وخَزْنُ الشيء إحرازه ، بحيث لا تناله الأيدي ) . { وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } أي : من أفعاله تعالى حتى تسألوني عن وقت الساعة ، أو وقت نزول العذاب أو نحوهما . { وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } أي : حتى تكلفوني من الأفاعيل الخارقة للعادات ما لا يطيقه البشر ، من الرقيّ في السماء ونحوه ، أو تعدّوا عدم اتصافي بصفاتهم قادحاً في أمري ، كما ينبئ عنه قولهم : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } [ الفرقان : 7 ] . والمعنى : إني لا أدعي شيئاً من هذه الأشياء الثلاثة ، حتى تقترحوا عليّ ما هو من آثارها وأحكامها ، وتجعلوا عدم إجابتي إلى ذلك ، دليلا على عدم صحة ما أدعيه من الرسالة التي لا تعلق لها بشيء مما ذكر قطعاً . بل إنما هي عبارة عن تلقي الوحي من جهة الله عز وجل ، والعمل بمقتضاه فقط ، كما ينبئ عنه قوله تعالى : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } أي : ما أتبع فيما أقول لكم إلا ما يوحى إليّ من جهته تعالى ، شرفني بذلك وأنعم به عليّ ، إذ يكشف لي عن الملائكة فيخبرونني . ثم كرر الأمر تثنية للتبكيت بقوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } مثل للضال والمهتدي على الإطلاق . والاستفهام إنكاريّ ، والمراد إنكار استواء من لا يعلم ما ذكر من الحقائق ، ومن يعلمها . وفيه الإشعار بكمال ظهورها ، ومن التنفير عن الضلال ، والترغيب في الاهتداء - ما لا يخفى . أفاده أبو السعود . وقوله تعالى : { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } تقريع وتوبيخ داخل تحت الأمر . أي : أفلا تتفكرون فتهتدوا ، ولا تكونوا ضالين أشباه العميان . تنبيهات الأول : جعل بعض المفسرين قوله تعالى : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } تبرؤا من دعوى الألوهية ؛ لأن قسمة الأرزاق بين العباد ، ومعرفة الغيب ، مخصوصان به تعالى . قال : ولذا كرر في الملكية لفظ : { وَلاۤ أَقُولُ } . والمعنى : لا أدعي الألوهية ولا الملكية . وأورد على هذا أن المراد : لا أملك أن أفعل ما أريد مما تقترحونه ، وليس المراد التبرؤ عن دعوى الإلهية ، وإلا لقيل : لا أقول لكم إني إله . كما قيل : ولا أقول لكم إني ملك . وأيضاً في الكناية عن الألوهية بـ { عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } ما لا يخفى من البشاعة ، بل هو جواب عن اقتراحهم عليه صلى الله عليه وسلم أن يوسع عليهم خيرات الدنيا - كذا في العناية - . قال أبو السعود : وجعل هذا تبرؤا عن دعوى الإلهية ، مما لا وجه له قطعاً . الثاني : قال الجبائي : الآية دالة على أن الملك أفضل من الأنبياء ؛ لأن المعنى : لا أدعي منزلة فوق منزلتي ، ولولا أن الملك أفضل ، وإلا لم يصح ذلك . قال القاضي : إن الغرض بما نفى طريقة التواضع ، فالأقرب أن يدل ذلك على أن الملك أفضل ، وإن كان المراد نفي قدرته على أفعال لا يقوى عليها إلا الملائكة ، لم يدل على كونهم أفضل . وقرر الزمخشري : الأول تأييداً لمذهبه قال في تفسير الآية : أي لا أدعي ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر من ملك خزائن الله ، وهي قِسَمه بين الخلق وأرزاقه ، وعلم الغيب ، وإني من الملائكة الذين هم أشرف جنس خلق الله تعالى ، وأفضله ، وأقربه منزلة منه . أي : لم أدع إلهية ولا ملكية ، لأنه ليس بعد الإلهية منزلة أرفع من منزلة الملائكة ، حتى تستبعدوا دعواي وتستنكروها ، وإنما أدعي ما كان مثله لكثير من البشر ، وهو النبوة . انتهى . وتعقبه الناصر في ( الانتصاف ) بقوله : هو يبنى على القاعدة المتقدمة له ، في تفضيل الملائكة على الأنبياء . ولعمري إن ظاهر هذه الآية يؤيده ، فلذلك انتهز الفرصة في الاستدلال بها . ولمخالفه أن يقول : إنما أوردت الآية رداً على الكفار في قولهم : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ } [ الفرقان : 7 - 8 ] الآية - فردّ قولهم : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ } [ الفرقان : 7 ] بأنه بشر ، وذلك شأن البشر ، ولم يدّع أنه ملك حتى يتعجب من أكله للطعام ، وحينئذ لا يلزم منها تفضيل الملائكة على الأنبياء ، لأنه لا خلاف أن الأنبياء ، يأكلون الطعام ، وأن الملائكة ليسوا كذلك ، فالتفرقة بهذا الوجه متفق عليها ، ولا يوجب ذلك اتفاقاً على أن الملائكة أفضل من الأنبياء . وكذلك رد قولهم : { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ } [ الفرقان : 8 ] بأنه لا يملك خزائن الله تعالى حتى يأتيهم بكنز منها على وفق مقترحهم ، ولا قال لهم ذلك حتى يقام عليه الحجة به . ثم قال الناصر رحمه الله : ولم يحسن الزمخشريّ في قوله : ( ليس بعد الإلهية منزلة أرفع من منزلة الملائكة ) فإنه جعل الإلهية من جملة المنازل كالملكية ، ومثل هذا الإطلاق لا يسوغ . والمنزلة عبارة عن المحل الذي يُنزل الله فيه العبد من علوّ وغيره ، فإطلاقها على الإلهية تحريف . والله الموفق للصواب . الثالث : قال الرازيّ : ظاهر قوله تعالى : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يعمل إلا بالوحي ، وهو يدل على حكمين : الأول : أن هذا النص يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم من تلقاء نفسه في شيء من الأحكام ، وأنه ما كان يجتهد ، بل جميع أحكامه صادرة عن الوحي ، ويتأكد هذا بقوله تعالى : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [ النجم : 3 - 4 ] . الثاني : أن نفاة القياس قالوا : ثبت بهذا النص أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يعمل إلا بالوحي النازل عليه ، فوجب ألا يجوز لأحد من أمته أن يعملوا إلا بالوحي النازل عليه ، بقوله تعالى : { فَٱتَّبِعُوهُ } [ الأنعام : 153 ] ، وذلك ينفي جواز العمل بالقياس . ثم أكد هذا الكلام بقوله : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } وذلك لأن العمل بغير الوحي يجري مجرى عمل الأعمى . والعمل بمقتضى نزول الوحي يجري مجرى عمل البصير . ثم قال : { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } والمراد منه التنبيه على أنه يجب على العاقل أن يعرف الفرق بين هذين البابين ، وألا يكون غافلاً عن معرفته . انتهى . وفي ( فتح الرحمن ) : تمسك بذلك من لم يثبت اجتهاد الأنبياء ، عملاً بما يفيده القصر في هذه الآية . والمسألة مدونة في الأصول . وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أوتيت القرآن ومثله معه " . ثم لما أخبر تعالى : أن أولئك المشركين كالصم البكم العمي ، بل الموتى ، إذ لم يتعظوا بتصريف الآيات الباهرة ، أمر بتوجيه الإنذار إلى أن من يتأثر بما يوحى إليه ، اطراحاً لأولئك الفجار ، فقال تعالى : { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ … } .