Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 59-59)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } جمع ( مفتح بكسر الميم ، وهو المفتاح ) وقرئ ( مَفَاتيحُ الغَيْبِ ) شبه بالأمور الجليلة التي يستوثق منها بالأقفال ، وأثبت لها المفاتح تخييلا . وقوله تعالى : { لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } تأكيد لمضمون ما قبله ، وإيذان بأن المراد : الاختصاص من حيث العلم . والمعنى : ما تستعجلونه من العذاب ليس مقدوراً لي ، حتى ألزمكم بتعجيله ، ولا معلوماً لديّ لأخبركم بوقت نزوله ، بل هو مما يختص به تعالى قدرة وعلماً ، فينزله حسبما تقتضيه مشيئته ، المبنية على الحكم والمصالح - أفاده أبو السعود - . ثمّ لما بين تعالى علمه بالمغيبات ، تأثَّرَهُ بالمشاهدات ، على اختلاف أنواعها ، وتكثر أفرادها بقوله : { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } من الخلق والعجائب . ثم بالغ في إحاطة علمه بالجزئيات الفائتة للحصر بقوله سبحانه : { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } أي : مكتوب ومحفوظ في العلم الإلهيّ . تنبيهات الأول - قال الحاكم : دلّ قوله تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } على بطلان قول الإمامية : إن الإمام يعلم شيئاً من الغيب . انتهى . وفي ( فتح البيان ) : في هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين والرمليّين وغيرهم من مدّعي الكشف والإلهام ، ما ليس من شأنهم ، ولا يدخل تحت قدرتهم ، ولا يحيط به علمهم . ولقد ابتلي الإسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة , والأنواع المخذولة , ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم بغير خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : " من أتى كاهناً أو منجماً فقد كفر بما أنزل على محمد " . قال ابن مسعود : أوتي نبيكم كل شيء إلا مفاتيح الغيب . قال ابن عباس : إنها الأقدار والأرزاق . وقال الضحاك : خزائن الأرض , وعلم نزول العذاب . وقال عطاء : هو ما غاب عنكم من الثواب والعقاب . وقيل : هو انقضاء الآجال , وعلم أحوال العباد من السعادة والشقاوة وخواتيم أعمالهم . واللفظ أوسع من ذلك . وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله تعالى ؛ لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله , ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله ؛ ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت ، ولا يدري أحد متى يجيء المطر " - أخرجه البخاريّ - وله ألفاظ . وفي رواية : " ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله " انتهى . الثاني : قرئ ( ولا حبةٌ ولا رطبٌ ولا يابسٌ ) بالرفع ، وفيه وجهان : أن يكون عطفاً على محل ( من ورقة ) وأن يكون رفعاً على الابتداء ، وخبره { إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } كقولك : لا رجل منهم ولا امرأة إلا في الدار - كذا في الكشاف - . الثالث : ما أسلفناه في ( الكتاب المبين ) من أنه ( اللوح المحفوظ ) هو المتبادر من إطلاقه أينما ورد . وقيل : الكتاب المبين علم الله تعالى . والأظهر الأول . قال الزجاج : يجوز أن يكون الله جل ثناؤه أثبت كيفية المعلومات في كتاب من قبل أن يخلق الخلق ، كما قال عز وجل : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } [ الحديد : 22 ] وفائدة هذا الكتاب أمور : أحدها : أنه تعالى إنما كتب هذه الأحوال في اللوح المحفوظ لتقف الملائكة على نفاذ علم الله تعالى في المعلومات ، وأنه لا يغيب عنه مما في السماوات والأرض شيء ، فيكون ذلك عبرة تامة كاملة للملائكة الموكلين باللوح المحفوظ ؛ لأنهم يقابلون به ما يحدث في صحيفة هذا العالم ، فيجدونه موافقاً له . وثانيها : يجوز أن يقال : إنه تعالى ذكر ما ذكر ، من الورقة والحبة ، تنبيهاً للمكلفين على أمر الحساب ، وإعلاماً بأنه لا يفوته من كل ما يصنعون في الدنيا شيء ، لأنه إذا كان لا يهمل الأحوال التي ليس فيها ثواب ولا عقاب ولا تكليف ، فبأن لا يهمل الأحوال المشتملة على الثواب والعقاب أولى . وثالثها : أنه تعالى علم أحوال جميع الموجودات ، فيمتنع تغييرها عن مقتضى ذلك العلم ، وإلا لزم الجهل ، فإذا كتب أحوال جميع الموجودات في ذلك الكتاب على التفصيل التام ، امتنع أيضاً تغييرها ، وإلا لزم الكذب فتصير كِتْبَةُ جملة الأحوال في ذلك الكتاب موجباً تاماً ، وسبباً كاملاً في أنه يمتنع تقدم ما تأخر ، وتأخر ما تقدم ، كما قال صلوات الله عليه : " جف القلب بما هو كائن إلى يوم القيامة " انتهى . الرابع : روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } قال : ما من شجرة في بر ولا بحر ، إلا ملَك موكل بها ، يكتب ما يسقط منها . وأخرج أيضاً عن عبد الله بن الحارث قال : ما في الأرض من شجرة ، ولا كمغرز إبرة ، إلا عليها ملك موكل يأتي الله بعلمها . يبسها إذا يبست ورطوبتها إذا رطبت . وكذا رواه ابن جرير . وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : خلق الله النون وهو الدواة ، وخلق الألواح ، فكتب فيها أمر الدنيا حتى تنقضي ، ما كان من خلق مخلوق ، أو رزقٍ حلال أو حرام ، أو عمل بر أو فجور ، وقرأ هذه الآية : { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ … } إلى آخر الآية .