Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 65-65)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } قال المهايميّ : أي : قل للمشركين بعد النجاة الموعود فيها بالشكر : إنما أشركتم لأمنكم من الشدائد ، لكن لا وجه للأمان منها ، لاستمرار منشأ الخوف ، وهو القدرة الإلهية على أنواع الشدائد من الجهات كلها . إذ هو القادر على إرسال عذاب أعظم من تلك الشدة من فوقكم ، كإمطار النار أو الحجارة ، أو إسقاط السماء . { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } كالخسف والطوفان ، { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } أي : يخلطكم فرقاً خلط اضطراب ، فيجعلكم متحزبين مختلفين في القتال ، بأن يقوّي أعداءكم { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ } أي : شدة { بَعْضٍ } يعني : يسلط بعضكم على بعض بالقتل والتعذيب . { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } أي : نحوِّلها من نوع إلى آخر . { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } أي : يفهمون ويعتبرون ، فيكفوا عن كفرهم وعنادهم . تنبيهان الأول : روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال . " لما نزلت هذه الآية { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بوجهك " { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال : " أعوذ بوجهك " { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } . قال : " هذا أهون " ، أو " هذا أيسر " " . قال الحافظ ابن حجر : وقد روى ابن مردويه من حديث ابن عباس ما يفسر به حديث جابر ، ولفظه : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعاً ، فرفع عنهم ثنتين ، وأبي أن يرفع عنهم اثنتين . دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وألا يلبسهم شيعاً ولا يذيق بعضهم بأس بعض ، فرفع الله عنهم الخسف والرجم ، وأبي أن يرفع عنهم الأخريين " فيستفاد من هذه الرواية المراد بقوله : { مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } ، ويستأنس له أيضاً بقوله تعالى : { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ } [ الإسراء : 68 ] . وروى الإمام مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه أقبل مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية ، حتى إذا مرّ بمسجد بني معاوية ، دخل فركع فيه ركعتين ، وصلينا معه ودعا ربه طويلاً ، ثم انصرف إلينا فقال : " سألت ربي ثلاثاً ، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة ؛ سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسَّنة ، فأعطانيها . وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق ، فأعطانيها . وسألت ربي أن لا يجعل بأسهم بينهم ، فمنعنيها " . وروى الإمام أحمد من حديث أبي بصرة نحوه ، لكن قال : ( بدل خصلة الإهلاك ) ، أن لا يجمعهم على ضلالة . وكذا الطبري من مرسل الحسن . قال الخفاجيّ : فإن قلت : كيف أجيبت الدعويان ، وسيكون خسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب ؟ أي : كما رواه الترمذيّ وغيره ؟ قلت : الممنوع : خسف مستأصل لهم . وأما عدم إجابته في بأسهم ، فبذنوب منهم ، ولأنهم بعد تبليغه صلى الله عليه وسلم لهم ، ونصيحته لهم ، لم يعملوا بقوله . انتهى . وقد روى أحمد والترمذيّ من حديث سعد بن أبي وقاص قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ … } إلخ ، فقال : " أما إنها كائنة ، ولم يأت تأويلها بعد " ، قال الحافظ ابن حجر : وهذا يحتمل ألا يخالف حديث جابر ، بأن المراد بتأويلها ما يتعلق بالفتن ونحوها . انتهى . أي : مما ستصدق عليها الآية ، ولما تقع بالمسلمين . فقوله : إنها كائنة ، أي : في المسلمين ، لا أنها خطاب لهم ، ونزولها فيهم - كما وهم - إذ يدفعه السياق والسباق ، وتتمة الآية - كما لا يخفى - وسنزيده بياناً . الثاني : ما روي عن ابن عباس من أنه كان يقول في قوله تعالى : { عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } يعني : أئمة السوء { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } يعني : خدم السوء . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم . فإن صح عنه ، فمراده أن لفظ الآية مما يصدق على ذلك ؛ لأن العذاب كل ما مرّ ( من المرارة ) على النفس ، وشق عليها ، لا أن ذلك هو المراد من الآية ، لنبوّه عن مقام التهويل ، في شديد الوعيد ، ولخفاء الكناية عن ذلك من جوهر اللفظ ، ولعدم موافقته لنظائر الآية في هذا الباب - كما لا يخفى . والظاهر أن السلف كانوا يتلون بعض الآيات في بعض المقامات ، إشعاراً بأن معناها يحاكي تلك الواقعات ، لا أنها نزلت في تلك القضيات . ومن ذلك قول أبيّ بن كعب ، قال في هذه الآية : هن أربع خلال ، كلهن واقع ، منها ثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } و { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } ، وبقيت اثنتان لا بد منهما الرجم والخسف - رواه الإمام أحمد وغيره - وقد أعلّ هذا الأثر بأن أبيِّا لم يدرك خمس وعشرين من الوفاة النبوية ، وكأن التقييد بذلك من كلام أبي العالية ، رواية عنه . وبالجملة ، فاستشهاد السلف بالآيات في بعض الشؤون ، للإشعار المذكور - مما لا ينكر ، فافهم ذلك ، فإنه ينفعك في مواطن كثيرة .