Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 82-82)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } أي : بشرك ، كما يفعله الفريق المشركون ، حيث يزعمون أنهم يؤمنون بالله عز وجل ، وأن عبادتهم للأصنام من تتمات إيمانهم وأحكامه ، لكونها لأجل التقريب والشفاعة ، كما قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] وهذا معنى اللبس - أفاده أبو السعود - وسيأتي زيادة لذلك . { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ } يوم القيامة { وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } أي : إلى الحق ، ومن عداهم في ضلال . روى البخاريّ ومسلم وغيرهما عن عبد الله قال : لما نزلت : { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال أصحابه : وأينا لم يظلم نفسه ؟ فنزلت : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] - هذا لفظ رواية البخاريّ - . ولفظ رواية الإمام أحمد عن عبد الله قال : " لما نزلت هذه الآية : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شقّ ذلك على الناس ، فقالوا : يا رسول الله ، فأينا لا يظلم نفسه ؟ قال : " إنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : { يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] ؟ إنما هو الشرك " " . أقول : هذه الرواية توضح رواية البخاريّ السابقة - أعني : قول ابن مسعود : فنزلت { إِنَّ ٱلشِّرْكَ … } [ لقمان : 13 ] إلخ - من جهة أن النزول أريد به تفسير الآية ، لا سبب نزولها ، وهو اصطلاح للصحابة والتابعين دقيق ، ينبغي التنبه له . وقد أشرنا له في المقدمة . فجددْ به عهداً . ولابن أبي حاتم عن عبد الله مرفوعاً { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قال : بشرك . قال : وروي عن أبي بكر وعمر وأبيّ بن كعب وسلمان وحذيفة وابن عباس وابن عمر وعمرو ابن شرحبيل وأبي عبد الرحمن السلميّ ، ومجاهد وعكرمة والنخعيّ والضحاك وقتادة والسديّ ، وغير واحد نحو ذلك نقله ابن كثير . وبالجملة ، فلا يعلم مخالف من الصحابة والتابعين في تفسير ( الظلم ) هنا بالشرك ، وقوفاً مع الحديث الصحيح في ذلك ، المبين للنظائر القرآنية الموضَّح بعضها لما أبهم في بعض . وتعرف تلك القاعدة من مثل هذا الحديث يكشف غمة أوهام كثيرة . ولو قيل : لا يلزم من قوله : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] أن غير الشرك لا يكون ظلماً . يجلب : بأن التنوين في ( بظلم ) للتعظيم ، فكأنه قيل : لم يلبسوا إيمانهم ظلم عظيم . ولما تبين أن الشرك ظلم عظيم علم أن المراد : لم يلبسوا إيمانهم بشرك ، أو أن المتبادر من المطلق أكمل أفراده - كذا في العناية - . قال الرازيّ : والدليل على أن هذا هو المراد ، أن هذه القصة من أولها إلى آخرها إنما وردت في نفي الشركاء والأضداد والأنداد ، وليس فيها ذكر الطاعات والعبادات ، فوجب حمل الظلم ههنا على ذلك . تنبيه حيث علم أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فسر الآية بما تقدم ، فليُعَضَّ عليه بالنواجذ . وأما ما هذي به الزمخشريّ من قوله في تفسير الآية : أي لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم ، وأبي تفسير الظلم بالكفر ، لفظُ ( اللبس ) أي : لأن لبس الإيمان بالشرك أي : خلطه به ، مما لا يتصور ، لأنهما ضدان لا يجتمعان - على زعمه - فمدفوع بأنه يلابسه ؛ لأنه إن أريد بالإيمان مطلق التصديق ، سواء كان اللسان أو غيره ، فظاهر أنه يجامع الشرك كالمنافق . وكذا إن أريد تصديق القلب ، لجواز أن يصدّق بوجود الصانع ، دون وحدانيته ، لما في قوله تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [ يوسف : 106 ] وهو ما أشير إليه قبل . ولو أريد التصديق بجميع ما يجب التصديق به بحيث يخرج عن الكفر ، فلا يلزم من لبس الإيمان بالشرك الجمع بينهما ، بحيث يصدق عليه أنه مؤمن ومشرك ، بل تغطيته بالكفر ، وجعله مغلوباً مضمحلاً ، أو اتصافه بالإيمان ، ثم الكفر ، ثم الإيمان ثم الكفر مراراً . وبعد تسليم ما ذكر ، فاختصاص الأمن بغير العصاة لا يوجب كون العصاة معذبين ألبتة ، بل خائفين ذلك ، متوقعين للاحتمال ، ورجحان جانب الوقوع - كذا في ( شرح الكشاف ) . وفي ( الانتصاف ) : إنما يروم الزمخشريّ بذلك تنزيله على معتقده ، في وجوب وعيد العصاة ، وأنهم لا حظ لهم في الأمن كالكفار ، ويجعل هذه الآية تقتضي تخصيص الأمن بالجامعين بين الأمرين : الإيمان والبراءة من المعاصي . ونحن نسلم ذلك ، ولا يلزم أن يكون الخوف اللاحق للعصاة ، هو الخوف اللاحق للكفار ؛ لأن العصاة من المؤمنين إنما يخافون العذاب المؤقت ، وهم آمنون من الخلود . وأما الكفار فغير آمنين بوجهٍ ما . انتهى . وأما قول المعتزلة : حديث عبد الله المتقدم - إن صح - يكون خبرَ واحدٍ ، في مقابلة الدليل القطعيّ ، ومثله لا يعمل به - فالجواب : بأنه صح بلا ريب ، لتخريج الشيخين له . @ * وإذا جاء نهر الله ، بطل نهر معقل * @@ وقولهم : في مقابلة الدليل القطعيّ ، بهتان عظيم . ويا لله العجب من هؤلاء ، قابلوا السنة الصحيحة بكناسة الرأي ، ولم يستحيوا من الله تعالى ورسوله في هذه المخالفة ، فأين تذهب به عقولهم ؟ إلى الحق أم إلى الباطل ؟ ولكن كما قال ابن سهل : @ * فما أضيعَ البرهانَ عند المقلِّدِ * @@ هذا ، وقد روى ابن مردويه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ساره ، إذ عرض له أعرابيّ فقال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ! لقد خرجت من بلادي وتلادي ومالي ، لأهتدي بهداك ، وآخذ من قولك ، وما بلغتك حتى ما لي طعام إلا من خضر الأرض ، فاعرض عليّ ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل . فازدحمنا حوله ، فدخل خفّ بَكْرِهِ في بيت جرذان ، فتردّى الأعرابيّ ، فانكسرت عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق ! والذي بعثني بالحق ! لقد خرج من بلاده وتلاده وماله ليهتدي بهداي ، ويأخذ من قولي ، وما بلغني حتى مَا لَهُ من طعام إلا من خضر الأرض . أسمعتم بالذي عمل قليلاً وأجر كثيراً ؟ هذا منهم ! أسمعتم بـ { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } ؟ فإن هذا منهم " " . وفي لفظٍ قال : " هذا عمل قليلاً وأُجِر كثيراً " . وروى نحوه الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله مطولاً ، وفيه بيان قوله : فاعرض عليّ ، ولفظه : ما الإيمان ؟ قال : " تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت " قال : قد أقررت .