Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 61, Ayat: 2-3)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } قال القاشانيّ : من لوازم الإيمان الحقيقيّ الصدق وثبات العزيمة . إذ خلوص الفطرة عن شوائب النشأة يقتضيهما . وقوله : { لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } يحتمل الكذب ، وخلف الوعد . فمن ادّعى الإيمان وجب عليه الاجتناب عنهما بحكم الإيمان ، وإلا فلا حقيقة لإيمانه . ولهذا قال : { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } لأن الكذب ينافي المروءة التي هي من مبادئ الإيمان ، فضلاً عن كماله . إذ الإيمان الأصليّ هو الرجوع إلى الفطرة الأولى ، والدين القيّم . وهي تستلزم أجناس الفضائل بجميع أنواعها ، التي أقل درجاتها العفة المقتضية للمروءة ، والكاذب لا مروءة له ، فلا إيمان له حقيقة . وإنما قلنا : لا مروءة له ؛ لأن النطق هو الإخبار المفيد للغير معنى المدلول عليه باللفظ . والإنسان خاصته التي تميزه عن غيره ، هي النطق ، فإذا لم يطابق الإخبار لم تحصل فائدة النطق , فخرج صاحبه عن الإنسانية ، وقد أفاد ما لم يطابق من اعتقاد وقوع غير الواقع ، فدخل في حد الشيطنة ، فاستحق المقت الكبير عند الله ، بإضاعة استعداده واكتساب ما ينافيه من أضداده . وكذا الخلف ؛ لأنه قريب من الكذب ؛ ولأن صدق العزم وثباته من لوازم الشجاعة التي هي إحدى الفضائل اللازمة لسلامة الفطرة ، وأول درجاتها . فإذا انتفت انتفى الإيمان الأصليّ بانتفاء ملزومه ، فثبت المقت من الله . انتهى . لطيفة قال الزمخشري : هذا من أفصح الكلام وأبلغه في معناه . قصد في ( كَبُرَ ) التعجب من غير لفظه . ومعنى التعجب : تعظيم الأمر في قلوب السامعين . وأسند إلى { أَن تَقُولُواْ } ، ونصب { مَقْتاً } على تفسيره ، دلالة على أن قولهم مالا يفعلون مقت خالص ، لا شوب فيه ، لفرط تمكن المقت منه . واختير لفظ ( المقت ) لأنه أشد البغض وأبلغه ، ولم يقتصر على أن جعل البغض كبيراً ، حتى جعل أشده وأفحشه . و ( عند الله ) أبلغ من ذلك ؛ لأنه إذا ثبت كبر مقته عند الله ، فقد تم كبره وشدته . قال الناصر : وزائد على هذه الوجوه الأربعة وجه خامس ، وهو تكراره لقوله : { مَا لاَ تَفْعَلُونَ } وهو لفظ واحد ، في كلام واحد . ومن فوائد التكرار : التهويل والإعظام .