Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 6-6)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ } أي : من سعتكم التي تجدون , وطاقتكم ومقدرتكم { وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ } أي : لا تستعملوا معهن الضرار { لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ } أي : في المسكن ببعض الأسباب ، من إنزال من لا يوافقهن ، أو بشغل مكانهن ، أو غير ذلك حتى تضطروهن إلى الخروج أو الافتداء . تنبيه قال في ( الإكليل ) : في الآية وجوب السكنى للمطلقات كلهن ، وللبوائن ، لتقدم سكنى الرجعيات ، ولقوله بعده : { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ } فإنه خاص بالبوائن . وفيه أن الإسكان يعتبر بحال الزوج ، وتحريم المضارة بها ، وإلجائها إلى الخروج . { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } قال ابن جرير : أي وإن كان نساؤكم المطلقات أولات حمل ، وكن بائنات منكم ، فأنفقوا عليهن في عدتهن منكم حتى يضعن حملهن . فعن ابن عباس في الآية قال : هذه المرأة يطلقها زوجها ، فيبت طلاقها وهي حامل ، فيأمره الله أن يسكنها ، وينفق عليها حتى تضع ، وإن أرضعت فحتى تفطم ، وإن أبان طلاقها وليس بها حبل ، فلها السكنى حتى تنقضي عدتها ، ولا نفقة . وكذلك المرأة يموت عنها زوجها فإن كانت حاملاً أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا كان ميراث ، وإن لم يكن ميراث أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها ، كما قال الله عز وجل : { وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ } [ البقرة : 233 ] . فإن لم تكن حاملا فإن نفقتها كانت من مالها . ثم قال ابن جرير : وقال آخرون عنى بقوله : { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } كل مطلقة ملك زوجها رجعتها أو لم يملك . وممن قال ذلك عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما . فعن إبراهيم قال : كان عمر وعبد الله يجعلان للمطلقة ثلاثاً ، السكنى والنفقة والمتعة . وكان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس ، " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في غير بيت زوجها . قال : ما كنا لنجيز في ديننا شهادة امرأة " . ثم قال ابن جرير : والصواب من القول في ذلك عندنا أن لا نفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملاً ؛ لأن الله جل ثناؤه جعل النفقة بقوله : { وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ } للحوامل دون غيرهن من البائنات من أزواجهن ، ولو كان البوائن من الحوامل وغير الحوامل في الواجب لهن من النفقة على أزواجهن سواء ، لم يكن لخصوص أولات الأحمال بالذكر في هذا الموضع وجه مفهوم ، إذ هن وغيرهن في ذلك سواء . وفي خصوصهن بالذكر دون غيرهن أدل الدليل على أن لا نفقة لبائن إلا أن تكون حاملا . وبالذي قلنا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : حدثتني فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس " أن أبا عمرو المخزومي طلقها ثلاثاً ، فأمر لها بنفقة فاستقلتها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن . فانطلق خالد بن الوليد في نفر من بني مخزوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند ميمونة ، فقال : يا رسول الله ، إن أبا عمرو طلق فاطمة ثلاثاً ، فهل لها من نفقة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس لها نفقة " ، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن انتقلي إلى بيت أم شريك " ، وأرسل إليها أن لا تسبقيني بنفسك . ثم أرسل إليها : " أن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون ، فانتقلي إلى ابن أم مكتوم ، فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك " . فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد " انتهى . وقال الناصر في ( الانتصاف ) : لا يخفى على المتأمل لهذه الآي أن المبتوتة غير الحامل لا نفقة لها ؛ لأن الآي سيقت لبيان الواجب ، فأوجب السكنى لكل معتدة تقدم ذكرها ، ولم يوجب سواها . ثم استثنى الحوامل فخصهن بإيجاب النفقة لهن حتى يضعن حملهن . وليس بعد هذا البيان بيان . والقول بعد ذلك بوجوب النفقة لكل معتدة مبتوتة ، حاملاً أو غير حامل ، لا يخفى منافرته لنظم الآية . والزمخشري نصر مذهب أبي حنيفة فقال : فائدة تخصيص الحوامل بالذكر أن الحمل ربما طال أمده ، فيتوهم متوهم أن النفقة لا تجب بطوله فخصت بالذكر تنبيهاً على قطع هذا الوهم . وغرض الزمخشري بذلك أن يحمل التخصيص على هذه الفائدة كيلا يكون له مفهوم في إسقاط النفقة لغير الحوامل ؛ لأن أبا حنيفة يسوي بين الجميع في وجوب النفقة . انتهى . وفي ( الإكليل ) : في الآية وجوب الإنفاق على البائن الحامل حتى تنقضي عدتها . ومفهوم أن غير الحامل لا نفقة لها . واستدل بعموم الآية من أوجبها للحامل المتوفي عنها . انتهى . { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ } يعني : نساءكم البوائن منكم { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي : على رضاعهن { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ } أي : ليقبل بعضكم من بعض ما أمر به من معروف ، يعني : المجاملة والمسامحة في الإرضاع والأجر . والخطاب للأباء والأمهات . تنبيه في ( الإكليل ) : فيها أن الأم إذا طلبت إرضاعه بأجرة مثل ، وجب على الأب دفعها إليها ، وليس له أن يسترضع غيرها . وفيه دليل على أن الأم أولى بالحضانة . قال إلكيا : وفيها دلالة على أن الأجرة إنما تستحق بالفراغ من العمل . انتهى . وفي قوله : { بِمَعْرُوفٍ } طلب أن لا يماكس الأب ، ولا تعاسر الأم ، لأنه ولدهما معاً ، وهما شريكان فيه ، وفي وجوب الإشفاق عليه - قاله الزمخشري . { وَإِن تَعَاسَرْتُمْ } أي : ضيق بعضكم على الآخر بالمشاحة في الأجرة ، أو طلب الزيادة ونحوه ، { فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } قال ابن جرير : أي : فلا سبيل له عليها ، وليس له إكراهها على إرضاعه ، ولكنه يستأجر للصبي مرضعة غير أمه البائنة منه . وقال الزمخشري : أي : فستوجد ، ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه . وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاسرة ، كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتوانى : سيقضيها غيرك . تريد : لن تبقى غير مقضية وأنت ملوم . انتهى . قال الناصر : وخص الأم بالمعاتبة ؛ لأن المبذل من جهتها هو لبنها لولدها ، وهو غير متمول ولا مضنون به في العرف ، وخصوصاً في الأم على الولد ، ولا كذلك المبذول من جهة الأب ، فإنه المال المضنون به عادة . فالأم إذاً أجدى باللوم ، وأحق بالعتب . انتهى . وفيه أيضاً إشارة إلى معاتبة الأب أيضاً ، كما حققه بعضهم ، وذلك أن الأب لما أسقط عن درجة الخطاب ، وبين أن معاسرته لا تجدي ، إذ لا بد من مرضعة أخرى بأجر ، وهذه أشفق منها كان في حكم المعاتب المذكور في الجواب . وبه يندفع ما يقال : إن المعاسرة فعل الأب والأم ، فكيف يخص الأم بالذكر في الجزاء . وحاصله أنهما مذكوران فيه ، إلا أن الأم مصرح بها والأب مرموز إليه . وتقدير ابن جرير يشير إليه أيضاً . تنبيه في ( الإكليل ) : تدل على أن الأم لا تجبر على الرضاع حيث وجد غيرها ، وقبل الصبي ثديها . وإلا أجبرت عليه . قال ابن العربي : والآية أصل في وجوب نفقة الولد على الأب ، خلافاً لمن أوجبها عليهما معاً .