Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 1-1)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قال المهايمي : ناداه ليقبل إليه بالكلية ، ويدبر عن كل ما سواه من الأزواج وغيرهن . وعبر عنه بالمبهم إشعاراً منه بأنه من غاية عظمته ، بحيث لا يعلم كنهه . وأتى بلفظ { ٱلنَّبِيُّ } إشعاراً بأنه الذي نبئ بأسرار التحليل والتحريم الإلهي . والمراد بتحريمه ما أحل له امتناعه منه ، وحظره إياه على نفسه . وهذا المقدار مباح ليس في ارتكابه جناح ، وإنما قيل له : { لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } رفقاً به ، وشفقة عليه ، وتنويهاً لقدره ولمنصبه صلى الله عليه وسلم ، أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه ، جرياً على ما ألف من لطف الله تعالى بنبيه ، ورفعه عن أن يحرج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه ، ومن أجله خلقوا ، ليظهر الله كمال نبوته ، بظهور نقصانهم عنه - كما أفاده الناصر . تنبيهان الأول : للأثريين في هذا الذي حرمه ، صلوات الله عليه ، على نفسه ، روايات . فروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ، ويمكث عندها ، فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها فلتقل له : إني أجد منك ريح مغافير ، أكلت مغافير ؟ فدخل على إحداهما فقالت ذلك له ، فقال : " بل شربت عسلاً عند زينب ابنة جحش ، فلن أعود له ، وقد حلفت ! لا تخبري بذلك أحداً " ، فنزلت الآية . وروى الشيخان أيضاً عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلواء والعسل ، وكان إذا صلى العصر دار على نسائه ، فيدنو من كل واحدة منهن . فدخل على حفصة بنت عمر ، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس . فسألت عن ذلك ، فقيل لي : أهدت إليها امرأة من قومها عكة عسل ، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة ، فقلت : والله لنحتالن له ! فذكرت ذلك لسودة ، وقلت لها : إذا دخل عليك ودنا منك ، فقولي له : يا رسول الله ! ، أكلت مغافير ؟ فإنه سيقول لك : لا فقولي له : وما هذه الريح ؟ وكان صلى الله عليه وسلم يكره أن يوجد منه الريح الكريه ! فإنه سيقول لك : سقتني حفصة شربة عسل ، فقولي له : أكلت نحله العرفط ، حتى صار فيه - أي في العسل - ذلك الريح الكريه . وإذا دخل علي فسأقول له ذلك . وقولي أنت يا صفية ذلك . فلما دخل على سودة قالت له مثل ما علمتها عائشة ، وأجابها بما تقدم . فلما دخل على صفية ، قالت له مثل ذلك . فلما دخل على عائشة قالت له مثل ذلك . فلما كان اليوم الآخر ودخل على حفصة قالت له : يا رسول الله ، ألا أسقيك منه ؟ قال : " لا حاجة لي به " . قالت : إن سودة تقول : سبحان الله ، لقد حرمناه منه ، فقلت لها : اسكتي " . و ( المغافير ) صمغ حلو له رائحة كريهة ينضحه شجر يقال له : ( العرافط بضم العين ) المهملة والفاء . وفي هذه الرواية أن التي شرب عندها العسل حفصة ، وفي سابقتها أنها زينب . والاشتباه في الاسم لا يضر ، بعد ثبوت أصل القصة . وروى ابن جرير عن ابن عباس قال : " كانت حفصة وعائشة متحابتين ، وكانتا زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهبت حفصة إلى أبيها فتحدثت عنده ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته ، فظلت معه في بيت حفصة ، وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة ، فرجعت حفصة ، فوجدتها في بيتها ، فجعلت تنتظر خروجها وغارت غيرة شديدة ، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية ، ودخلت حفصة ، فقالت : قد رأيت من كان عندك ، واللهِ لقد سؤتني ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والله لأرضينك ، فإني مسر إليك سراً فاحفظيه " قالت : ما هو ؟ قال : " إني أشهدك أن سريتي هذه علي حرام ، رضا لك " . وكانت حفصة وعائشة تظاهران على نساء النبي صلى الله عليه وسلم . فانطلقت حفصة إلى عائشة ، فأسرت إليها أن أبشري إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه فتاته . فلما أخبرت بسر النبي صلى الله عليه وسلم ، أظهر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم عليه ، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ … } الآيات " . وروي أيضاً عن الضحاك قال : " كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتاة يغشاها ، فبصرت به حفصة ، وكان اليوم يوم عائشة ، وكانتا متظاهرتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اكتمي علي ولا تذكري لعائشة ما رأيت " ، فذكرت حفصة لعائشة ، فغضبت عائشة فلم تزل بنبي الله صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها أبداً ، فأنزل الله هذه الآية وأمره أن يكفر يمينه ويأتي جاريته " . وروى النسائي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها ، فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها ، فأنزل الله هذه الآية . ولم يرجح ابن جرير أحد السببين المرويين في نزولها على الآخر ، بل وقف على إجمال الآية على عادته في أمثالها ؛ ولذا قال : الصواب أن يقال : كان الذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه شيئاً كان الله قد أحله له . وجائز أن يكون ذلك كان جاريته ، وجائز أن يكون شراباً من الأشربة ، وجائز أن يكون غير ذلك ، غير أنه أي : ذلك كان ، فإنه كان تحريم شيء كان له حلالاً ، فعاتبه الله على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله ، وبين له تحلة يمينه . انتهى . والذي يظهر لي ، هو ترجيح روايات تحريم الجارية في سبب نزولها ، وذلك لوجوه : منها : أن مثله ينبغي به مرضاة الضرات ، ويهتم به لهن . ومنها : أن روايات شرب العسل لا تدل على أنه حرمه ابتغاء مرضاتهن ، بل فيه أنه حلف لا يشربه أنفة من ريحه ، ثم رغب إلى عائشة أن لا تحدث صاحبته به شفقة عليها . إلا أن يكن عاتبنه في ذلك ، ولم يحتمل لطف مزاجه الكريم ذلك ، فحرمه . ولكن ليس في الرواية ما يشعر به . وما زاد على ذلك فمن اجتهاد الرواة . ومنها : أن الاهتمام بإنزال سورة على حدة ، لتقريع أزواجه صلى الله عليه وسلم وتأديبهن في المظاهرة عليه ، وإيعادهن على الإصرار على ذلك ، بالاستبدال بهن ، وإعلامهن برفعة مقامه ، وأن ظهراءه مولاه وجبريل والملائكة والمؤمنون ، كل ذلك يدل على أن أمراً عظيماً دفعهن إلى تحريمه ما حرم وما هو إلا الغيرة من مثل ما روي في شأن الجارية , فإن الأزواج يحرصن أشد الحرص على ما يقطع وصله الضرة الضعيفة ويبترها من عضو الزوجية . هذا ما ظهر لي الآن . وأما تخريج رواية العسل في هذه الآية ، وقول بعض السلف نزلت فيه ، فالمراد منه أن الآية تشمل قصته بعمومها على ما عرف من عادة السلف في قولهم : نزلت في كذا ، كما نبهنا عليه مراراً . وكأنه عليه السلام كان حرم ذلك الشراب ، ثم أخبر الرواة بأن مثله فرضت فيه التحلة ، فلا مانع من العود إلى شربه ، والله أعلم . الثاني : في ( الإكليل ) : استدل بها على أن من حرم على نفسه أمة أو طعاماً أو زوجة لم تحرم عليه ، وتلزمه كفارة يمين . وروى البخاري عن ابن عباس قال : في الحرام يكفَّر . لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة . وذهب ابن جرير إلى أنه كان مع التحريم يمين ، ورد كون التحريم بمجرده يميناً ، وفيه نظر ؛ لأن اليمين في عرفهم أعم من القسم بالله ، كما ذهب إليه ابن عباس والحسن وقتادة وابن جبير وغيرهم . قال قتادة : إن النبي صلى الله علبيه وسلم حرمها ، يعني : جاريته ، فكانت يميناً - رواه ابن جرير - وسيأتي ما يؤيده . وقوله تعالى : { قَدْ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ … } .