Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 173-173)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا } أي : سنوا الإشراك واخترعوه { مِن قَبْلُ } أي : من قبل زماننا { وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ } أي : فنشأنا على طريقتهم ، احتجاجاً بالتقليد ، وتعويلاً عليه ، فقد قطعنا العذر بما بيّنا من الآيات { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } أي : أتؤاخذنا بما فعل آباؤنا من الشرك ، وأسسوا من الباطل ، أو بفعل آبائنا الذين أبطلوا تأثير العقول ، وأقوال الرسل ؟ والإستفهام للإنكار ، أي : أنت حكيم لا تأخذ الأبناء بفعل الآباء ، وقد سلكنا طريقتهم ، والحجة عليهم بما شرعوا لنا من الباطل . والمعنى : أزلنا الشبهتين بأن الإقرار بالربوبية والتوحيد ، هو في أصل فطرتكم ، فلم لم ترجعوا إليه عند دعوة العقول والرسل ؟ والفطرة أكبر دليل ، فهي تسد باب الإعتذار بوجه ما . لا سيما والتقليد عند قيام الدلائل ، والقدرة على الإستدلال بها ، مما لا مساغ له أصلاً . تنبيهات الأول : وافق الإمام ابن كثير ، في هذا المقام أيضاً ، الجشميّ في تفسيره ، قال : ويروي أصحاب الحديث عن أسلافهم من الآثار موقوفة ومرفوعة ، ويجعلون ذلك تأويلاً للآية ، وهو أنه تعالى مسح ظهر آدم ، فأخرج منه ذريته ، أمثال الذر ، فقال : ألست بربكم ؟ فقالوا : بلى طائعين . ثم أعادهم في صلب آدم . وإن تأويل الآية على ذلك . قال : وقد ذكر مشايخنا رحمهم الله أن ذلك فاسد ، وأن ظاهر الآية يخالف ذلك ، وذكروا في الرواية ما نذكره . قالوا : فمما يدل على فساده وجوه : منها : أنه لو كان حالٌ كما ذكروا ، لذكرناه ؛ لأن مثل ذلك الأمر العظيم لا ينساه العاقل ، خصوصاً إذا كان إشهاداً عليه ، ليعمل به . ومنها : ما ذكره شيخنا أبو علي ، أن ظهر آدم لا يسع هذا الجمع العظيم ، وهذا شنيع من الكلام . ومنها : أنه ذكر أنه خلقنا من نطفة ، وكل ولد وُلِد من أب ومن نطفة ، فلو خلقهم ابتداءً لا من شيء ، لم يصح ذلك . ومنها : أن الجزء الواحد ، لا يجوز أن يكون حيًّا عاقلاً ؛ لأن تلك البنية ، لا تحمل الحياة ، فلا بد من أن يكون مؤلفاً من أجزاء ، وحينئذ لا يصح أن يكون الجميع في ظهر آدم . ومنها : أنه يفتح باب التناسخ ، والقول بالرجعة ؛ لأن لهم أن يقولوا : إذا جاز الإعادة ثمة ، لم ينكر التناسخ . ومنها : أنه لا بد أن يكون فيه فائدة ، وفائدته أن يذكره ليجري على تلك الطريقة ، وإذا لم يذكره بطلت فائدته . ومنها : أن الإعتراف لا يصح إلا وقد تقدم حال لهم عرفوا ذلك ، فكيف يصح في ابتداء الخلق ، إلى غير ذلك مما لا يقبله العقل . ثم قال : قال مشايخنا رحمهم الله : والآية ظاهرها بخلاف قولهم من وجوه : منها : أنه قال : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ } [ الأعراف : 172 ] ولم يقل : ( من آدم ) . وقال : { مِن ظُهُورِهِمْ } [ الأعراف : 172 ] ولم يقل : ( من ظهره ) ، وقال : { ذُرِّيَّتَهُمْ } [ الأعراف : 172 ] ولم يقل : ( ذريته ) . ومنها : أنه قال : { أَن تَقُولُواْ } [ الأعراف : 172 ] يعني فعل ذلك ، لكيلا تقولوا : { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [ الأعراف : 172 ] وأي غفلة أعظم من أن جميع العقلاء لا يذكرون شيئاً من ذلك . ومنها : أنه قال : { إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا } ولم يكن لهم يومئذ أب مشرك . وكل ذلك يبين فساد ما قالوا ، ولم يصحح أحد من مشايخنا هذه الرواية ، ولا قَبِلَها ، بل ردها ، غير أبي بكر أحمد بن عليّ ، فإنه جوز ذلك من غير قطع على صحته ، غير أنه قال : ليس ذلك بتأويل الآية ، وذكر أن فائدة ذلك أن يجروا على الأعراف الكريمة في شكر النعمة ، والإقرار بالربوبية . كما قال : إنهم ولدوا على الفطرة ، قال : وأخرجهم كالذر ، ثم ألهمهم حتى قالوا : بلى انتهى ما قاله الجشميّ . الثاني : تدل الآية على فساد التقليد في الدين ، وتدل على أنه تعالى أزال العذر ، وأزاح العلة ، وبعدها لا يعذر أحد . ذكره الجشميّ . الثالث : استدل بهذه الآية والأحاديث المتقدمة في معناها ، أن معرفته تعالى فطرية ضرورية ، قال تعالى : { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ } [ إبراهيم : 10 ] ، وقال تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ لقمان : 25 ] ، { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } [ المؤمنون : 86 - 87 ] . وعن عِمْرَان بن حصين قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي : " " يا حصين : كم تعبد اليوم إلهاً ؟ " قال أبي : سبعة ، ستاً في الأرض ، وواحداً في السماء ! قال : " فأيهم تُعِدُّ لرغبتك ورهبتك ؟ " قال : الذي في السماء " - رواه الترمذي - فالله تعالى فطر الخلق كلهم على معرفته فطرة توحيد ، حتى من خلق مجنوناً مطبقاً مصطلماً لا يفهم شيئاً ، ما يحلف إلا به ، ولا يلهج لسانه بأكثر من اسمه المقدس ، فطرة بالغة . قال التقي ابن تيمية : إن الإقرار والاعتراف بالخالق فطريّ ضروريّ في نفوس الناس . وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته ، حتى يحتاج إلى نظر يحصل له به المعرفة . وهذا قول جمهور الناس ، وعليه حذاق النظار ؛ أن المعرفة تحصل بالضرورة ، وقد تحصل بالنظر لمن فسدت فطرته ، كما اعترف بذلك خلائق من أئمة المتكلمين . وقال أيضاً : ذهب طوائف من النظار إلى أن معرفة الله واجبة ، ولا طريق لها إلا بالنظر فأوجبوا النظر على كل أحد . وهذا القول إنما اشتهر في الأمة عن المعتزلة ونحوهم . ولهذا قال أبو جعفر السمناني وغيره : إيجاب الأشعريّ النظر في المعرفة ، بقية بقيت عليه من الاعتزال . وذكر رحمه الله أن الذي يدل عليه كلامه الأئمة والسلف - وهو أعدل الأقوال - أن النظر يجب في حال دون حال ، وعلى شخص دون شخص ، فوجوبه من العوارض التي تجب على بعض الناس في بعض الأحوال ، لا من اللوازم العامة . والذين أوجبوا النظر ليس معهم ما يدل على عموم وجوبه ، إنما يدل على أنه قد يجب ، كقوله تعالى : { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ يونس : 101 ] ، وقوله : { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } [ الطارق : 5 ] فإنه خطاب مع المتكبرين الجاحدين ، أُمروا بالنظر ، ليعرفوا الحق ، ويقروا به ، ولا ريب أن النظر يجب على هؤلاء . قال أبو حيّان التوحيدي : في ( مقابساته ) ، في المقابسة الثانية والأربعين : قيل لأبي الخير : حدثنا عن معرفة الله ، تقدس وعلا ، ضرورةٌ هي أم استدلال ؟ فإن المتكلمين في هذا اختلفوا اختلافاً شديداً ، وتنابذوا عليه تنابذاً بعيداً ، ونحب أن يحصل لنا جواب ، فيفسر على حد الاختصار مع البيان . فقال : هي ضرورة من ناحية العقل ، واستدلال من ناحية الحسّ ، ولما كان كل مطلوب من العلم إما أن يطلب بالعقل في المعقول ، أو بالحس في المحسوس ، ساغ أن يظن مرة أن معرفته تعالى اكتساب واستدلال ، لأن الحس يتصفح ويستقوي بمؤازرة العقل ومظاهرته وتحصيله ، وأن يظن تارة أنها ضرورة ، فإن العقل السليم من الآفة ، البريء من العاهة ، يحث على الاعتراف بالله تقدس اسمه ، ويحظر على صاحبه جحده وإنكاره والتشكك فيه ، لكن ضرورة لائقة بالعقل ؛ لأن ضرورة العقل ليست كضرورة الحس ؛ لأن ضرورة الحس فيها جذب واختيار ، وحمل وإكراه . وضرورة العقل لطيفة جدّاً ؛ لأنه يعظ ويلاطف وينصح ويخفف . ثم ضرب مثلاً لطيفاً ، وقال بعده : فعلى هذا ، فإن الله تقدس اسمه ، معروف عند العقل بالاضطرار ، لا ريب عنده في وجوده ، ومستدل عليه عند الحس ؛ لأنه يستحيل كثيراً ، ولا يثبت أصلاً ، فمن استدل ترقى من الجزئيات . ومن ادعى الاضطرار انحدر من الكليات . وكلا الطريقين قد وضح بهذا الاعتبار ، وكُفِي مؤونة الخبط والإكثار . فأما ما ينظر منه في الجدال ، فلا يرث منه إلا الشك والفرقة والحمية والعصبيّة ، وهناك للهوى ولادة وحضانة ، وللباطل استيلاء وجولة ، وللحيرة ركود وإقامة . أخذ الله بأيدينا ، وكفانا الهوى الذي يؤذينا . انتهى .