Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 187-187)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } أي : عن قيامها وحينها { أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } أي : متى إرساؤها أو وقت إرسائها ، أي : إثباتها وإقرارها . والرسوّ يستعمل في الأجسام الثقيلة ، وإطلاقه على المعاني ، تشبيهاً لها بالأجسام { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } أي : لا يظهرها في وقتها إلا هو { ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : عظمت وكبرت على أهلهما لهولها وما فيها من المحاسبة والمجازاة . أو ثقل علم وقتها عن أهلهما . أو عظم وصفها على أهل السماوات والأرض ، من انتشار النجوم ، وتكوير الشمس ، وتسيير الجبال { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } أي : فجأة على حين غفلة منكم { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } أي : عالم بها { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي : أن علمها عند الله ، لم يؤته أحداً من خلقه . قال الزمخشري : فإن قلت : لم كرر { يَسْأَلُونَكَ } و { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } ؟ قلت : للتأكيد ، ولما جاء به من زيادة قوله : { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } وعلى هذا تكرير العلماء الحذاق في كتبهم ، لا يُخلون المكرر من فائدة زائدة . انتهى . وقال الناصر في ( الإنتصاف ) : وفي هذا النوع من التكرير نكتة لا تلفي إلا في الكتاب العزيز ، وهو أجلّ من أن يشارك فيها ، وذاك أن المعهود في أمثال هذا التكرير ، أن الكلام إذا بُني على مقصد ، واعترض في أثنائه عارض ، فأريد الرجوع لتتميم المقصد الأول ، وقد بعد عهده ، طُرِّي بذكر المقصد الأول ، لتتصل نهايته ببدايته . وقد تقدم لذلك في الكتاب العزيز أمثال ، وسيأتي ، وهذا منها . فإنه لما ابتدأ الكلام بقوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } ثم اعترض ذكر الجواب المضمن في قوله : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } إلى قوله : { بَغْتَةً } أريد تتميم سؤالهم عنها بوجه من الإنكار عليهم ، وهو المضمن في قوله : { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } وهو شديد التعلق بالسؤال ، وقد بعد عهده ، فَطُرِّيَ ذكره تطرية عامة ، ولا نراه أبداً يطري إلا بنوع من الإجمال ، كالتذكرة للأول ، مستغني عن تفصيله بما تقدم . فمن ثم قيل : { يَسْأَلُونَكَ } ولم يذكر المسؤول عنه ، وهو ( الساعة ) اكتفاء بما تقدم فلما كرر السؤال لهذه الفائدة ، كرر الجواب أيضاً مجملاً ، فقال : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } ويلاحظ هذا في تلخيص الكلام بعد بسطه . ومن أدق ما وَقَفَتْ عليه العرب في هذا النمط من التكرير لأجل بعد العهد ، تطرية للذكر ، قوله : @ عجِّلْ لنا هذا وألحقنا بذا الـ الشحم إنا قد مللناه بَجَلْ @@ أي : فقط ، فذكر الألف واللام ، خاتمة للأول من الرجزين ، ثم لما استفتح الرجز الثاني ، استبعد العهد بالأولى ، فطُرِّيَ ذكرها ، وأبقى الأولى في مكانها . ومن ثم استدل ابن جني على أن ما كان من الرجز على ثلاثة أجزاء ، فهو بيت كامل ، وليس بنصف ، كما ذهب إليه أبو الحسن . قال : ولو كان بيتاً واحداً ، لم يكن عهد الأولى متباعداً ، فلم يكن محتاجاً إلى تكريرها ، ألا ترى أن عَبِيداً لما جاء بقصيدة طويلة الأبيات ، وجعل آخر المصراع الأول ( أل ) لم يعدها أول المصراع الثاني ؛ لأنها بيت واحد ، فلم ير عهدها بعيداً ، وذلك قول عبيد بن الأبرص الأسدي : @ يا خليليّ ارْبَعَا وَاسْتَخْبِرا الْـ مَنْزِلَ الدَّارِسِ عن أَهْلِ الْحِلاَلِ مِثْلَ سَحْقِ البُرْدِ عَفَّى بَعْدَكَ الْـ قَطْرُ مَغْنَاهُ وتَأْوِيبُ الشَّمَالِ @@ ( اربعا : أقيما ، الحلال : اسم امرأة ، سَحْق البرد : يريد مثل البرد المسحوق أي : البالي ، وعفّى بالتشديد : محا ، القطر : المطر ، مغناه : هو الموضع الذي كانوا يسكنونه ، والشمال - بالفتح والكسر - من الرياح ، ما مهبّه من مطلع الشمس وبنات نعش ، وهي لا تكاد تهب ليلاً ، وتأويبها : هبوبها النهار كله ) ثم استرسل فيها كذلك بضعة عشر بيتاً . فانظر هذه النكته ، كيف بالغت العرب في رعايتها ، حتى عدت القريب بعيداً ، والمتقاصر مديداً ، فتأملها فإنها تحفة إنما تنفق عند الحذاق الأعيان ، في صناعتي العربية والبيان ، والله المستعان - انتهى . ( والقصيدة بتمامها في ( مختارات ابن الشجريّ ) بالصفحة رقم 37 ) . ثم أمره تعالى أن يخبر بعبوديته الكاملة ، بما ينبئ عن عجزه عن علم الساعة بقوله سبحانه : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ … } .