Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 205-205)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد عامّ . أو المعنى : واذكر ربك أيها الإنسان ، والأول أظهر ؛ لأن ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن من خصائصه ، فإنه مشروع لأمته . وقد أوضح هذا آية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الأحزاب : 41 - 42 ] والأمر بالذكر ، قال الزمخشريّ : هو عام في الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك . وقال بعض الزيدية : هذا الأمر يحتمل الوجوب ، إن فسر الذكر بالصلاة ، وإن أريد الدعاء أو الذكر باللسان ، فهو محمول على الإستحباب . قال : وبكلٍّ فسرت الآية . ثم إنه تعالى ذكر آداباً لذكره : الأول : أن يكون في نفسه ؛ لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص ، وأقرب إلى الإجابة ، وأبعد من الرياء . الثاني : أن يكون على سبيل التضرع ، وهو التذلل والخضوع والإعتراف بالتقصير ، ليتحقق بذلة العبودية لعزة الربوبية . الثالث : أن يكون على وجه الخيفة أي : الخوف والخشية من سلطان الربوبية ، وعظمة الألوهية ، من المؤاخذة على التقصير في العمل ، لتخشع النفس ، ويخضع القلب . الرابع : أن يكون دون الجهر ، لأنه أقرب إلى حسن التفكر . قال ابن كثير : فلهذا يستحب ألا يكون الذكر نداءً ولا جهراً بليغاً . وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس ، اربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، إن الذي تدعونه سميع قريب ، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " قال الإمام : المراد أن يقع الذكر متوسطاً بين الجهر والمخافة كما قال تعالى : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 110 ] . الخامس : أن يكون باللسان لا بالقلب وحده ، وهو مستفاد من قوله : { وَدُونَ ٱلْجَهْرِ } لأن معناه : ومتكلماً كلاماً دون الجهر ، فيكون صفة لمعمول حال محذوفة معطوفاً على { تَضَرُّعاً } ، أو هو معطوف على { فِي نَفْسِكَ } أي : اذكره ذكراً في نفسك ، وذكراً بلسانك دون الجهر . السادس : أن يكون بالغدو والآصال ، أي : في البكرة والعشي . فتدل الآية على مزية هذين الوقتين ؛ لأنهما وقت سكون ودعة وتعبد واجتهاد . وما بينهما ، الغالبُ فيه الانقطاعُ إلى أمر المعاش . وقد روي أن عمل العبد يصعد أول النهار وآخره ، فطلب الذكر فيهما ، ليكون ابتداء عمله واختتامه بالذكر . ثم نهى تعالى عن الغفلة عن ذكره بقوله : { وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } أي : من الذين يغفلون عن ذكر الله ، ويلهون عنه ، وفيه إشعار بطلب دوام ذكره تعالى ، واستحضار عظمته وجلاله وكبريائه ، بقدر الطاقة البشرية . ثم ذكر تعالى ما يقوي دواعي الذكر ، وينهض الهمم إليه ، بمدح الملائكة الذي يسبحون الليل والنهار ، لا يفترون ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ … } .