Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 28-28)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً } أي : ما تناهى قبحه من الذنوب ، كالشرك وكشف العورة في الطواف { قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } أي : إذا فعلوها اعتذروا بأن آباءهم كانوا يفعلونها ، فاقتدوا بهم ، وبأن الله أمرهم بأن يفعلوها ، حيث أقرنا عليها ، إذ لو كرهها لنقلنا عنها ، وهما باطلان ؛ لأن أحدهما تقليد للجهال ، والتقليد ليس بطريق للعلم ، والثاني افتراء على ذي الجلال . قال الشهاب : في قوله تعالى : { وَٱللَّهُ أَمَرَنَا } : مضاف مقدر ، أي أمر آباءنا ، فلا يقال الظاهر أمرهم بها ، والعدول عن الظاهر إشارة إلى ادعاء أنّ أمر آباءهم أمرٌ لهم . { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } أي : هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة ، والله لا يأمر بمثل ذلك ؛ لأن عادته سبحانه وتعالى جرت على الأمر بمحاسن الأفعال والحث على مكارم الخصال { أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } إنكار لإضافتهم الأمر بالفحشاء إليه سبحانه ، يتضمن النهي عن الافتراء عليه تعالى ، وفيه شهادة على أن مبني قولهم على الجهل المفرط . قال الشهاب : ولا دليل في الآية لمن نفى القياس ، بناءً على أن ما يثبت به مظنون لا معلوم ، لأنه مخصوص في عمومها بإجماع الصحابة ومن يعتد به ، أو بدليل آخر . تنبيه قال مجاهد : كان المشركون يطوفون بالبيت عراةً ، يقولون : نطوف كما ولدتنا أمهاتنا ، فتضع المرأة على قُبُلها النِّسعة أو الشيء وتقول : @ اليومَ يبدو بعضهُ أو كلُّهُ وما بدا منه فلا أُحِلُّهُ @@ فأنزل الله : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً … } الآية - قال ابن كثير : كانت العرب ، ما عدا قريشاً ، لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها ، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها . وكانت قريش - وهم الحمس - يطوفون في ثيابهم ، ومن أعاره أحمسيَّ ثوباً طاف فيه ، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه ، فلا يتملكه أحد ، ومن لم يجد ثوباً جديداً ، ولا أعاره أحمسيّ ثوباً ، طاف عرياناً ، وربما كانت امرأة ، فتطوف عريانة ، فتجعل على فرجها شيئاً ليستره بعد الستر ، فتقول : اليوم يبدو … - البيت - وأكثر ما كان النساء يطفن بالليل ، وكان هذا شيئاً قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم ، واتبعوا فيه آباءهم ، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع ، فأنكر تعالى عليهم ذلك . وذكر السيوطيّ في ( الإكليل ) عن ابن عباس أيضاً ؛ أنه نزلت في طوافهم بالبيت عراة ، رواه أبو الشيخ وغيره . قال : ففيها وجوب ستر العورة في الطواف . تنبيهان الأول : ذهب المعتزلة إلى أن الإرادة مدلول الأمر ، ولازمة له ، والفحشاء - أعني الشرور والمعاصي - غير مأمور بها بنص الآية ، فلا تكون مرادة له تعالى . وأجاب أهل السنة بأن الأمر قد ينفك عن الإرادة ، بمعنى أنه يوجد بدون الإرادة ، فلا تكون الإرادة تابعة له وجودا . ومما يوضح أن الشيء قد يؤمر به ولا يكون مراداً ، أن السيد إذا أراد أن يظهر على الحاضرين عصيان عبده ، يأمره بالشيء ولا يريد منه . ومنها أن الأمر أمران : أمر تكوينيّ يحصل به وجود الأشياء ، وهو خطاب ( كن ) وهو تابع للإرادة ، ويعم جميع الكائنات . فالطاعات والمعاصي كلها مأمورة ومرادة بهذا الأمر ، ولا يتعلق بهذا الأمر الطاعةُ والعصيان والثواب والعقاب ؛ لأنه يتعلق بالأشياء حال العدم . وأمر تشريعي تدويني : أي شرعه الله لعباده ، وكلفهم به ، مما دون في كتب الشريعة وبُيِّن ، وهذا الأمر يتعلق به الطاعة والعصيان والثواب والعقاب والرضا والسخط . والكفرُ والمعاصي ليست مأمورةً بهذا الأمر . والمعتزلة لم يفرقوا بين الأمرين ، وقالوا : إن الكفر والمعاصي لو كانت مرادَه تعالى ، لكانت مأموراً بها ، وإتيان المأمور به طاعة ، فيكون الكافر والفاسق مطيعين ، فإنهما مأمور بهما بالأمر الأول ، وليس مأموراً بهما بالأمر الثاني ، حتى يكون إتيانهما طاعة . قال السيلكوتي : ولا يخفى عليك تقسيم الأمر إلى أمرين ، إنما يستقيم إذا كان قوله تعالى : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] على ظاهره ، كما ذهب إليه البعض . وأما إذا كان عبارة عن الإيجاد من غير أن يتعلق بها خطاب ، كما ذهب إليه الأشعريّ ومن تبعه ، فلا . انتهى - والمسألة مبسوطة في محالها المعروفة . الثاني : قوله تعالى : { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ } جواب عن شبهتهم الثانية . ولم يذكر جواباً عن الأولى ، قال الإمام : لأنها إشارة إلى محض التقليد . وقد تقرر في المعقول أنه طريقة فاسدة ، لأن التقليد حاصل في الأديان المتناقضة . فلو كان التقليد حقاً ، لزم القول بحقية الأديان المتناقضة ؛ فلما كان فساده ظاهراً ، لم يذكره تعالى . الثالث : قال في ( فتح البيان ) : في هذه الآية الشريفة أعظم زاجر ، وأبلغ واعظ ، للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق ، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر ، لا بأهل الحق ، فإنهم القائلون : { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] والقائلون : { وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } . والمقلد ، لولا اغتراره بكونه وجد آباءه على ذلك المذهب ، مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به ، وأنه الحق - لم يبق عليه . وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهوديّ على يهوديته ، والنصرانيّ على نصرانيته ، والمبتدع على بدعته ، فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية والنصرانية والبدعة ، وأحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به ، ولم ينظروا لأنفسهم ولا طلبوا الحق كما يجب ، ولا بحثوا عن الله كما ينبغي ، وهذا هو التقليد البحت ، القصور الخالص . ثم قال : وإن من أعجب الغفلة وأعظم الذهول عن الحق ، اختيار المقلدة لآراء الرجال ، مع وجود كتاب الله ووجود سنة رسوله بين ظهرانيهم ، ووجود من يأخذونهما عنه بين أيديهم ، ووجود آلة الفهم لديهم ، وملكة العقل عندهم - انتهى . ولما نفى ما تقوَّلوه عليه وأخبر أنه لا يأمر بالفحشاء ، بيَّن ما أمر به بقوله تعالى : { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ … } .