Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 40-40)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ } أي : لا تفتح لأعمالهم ، ولا لدعائهم ، ولا لشيء مما يريدون به طاعة الله . أي : لا يقبل ذلك منهم ؛ لأنه ليس صالحاً ولا طيباً ، وقد قال سبحانه : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] ، قال ابن عباس : أي : لا يرفع لهم منها عمل صالح ، ولا دعاء - رواه جماعة عنه . وقاله مجاهد وابن جبير . أو المعنى : لا تنزل عليهم البركة والرحمة ، ولا يغاثون ، لأنه أجرى العادة بإنزال الرحمة من السماء ، كما في قوله : { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } [ القمر : 11 ] . أو المعنى : لا يؤذن لهم في صعود السماء ، ولا يطرق لهم إليها ليدخلوا الجنة ، على ما روي أن الجنة في السماء . أو المعنى : لا تفتح لأرواحهم ، إذا ماتوا أبواب السماء ، كما تفتح لأرواح المؤمنين - رواه الضحاك عن ابن عباس - ورواه ابن جرير عن البراء ؛ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح الفاجر ، وأنه يصعد بها إلى السماء ، فيصعدون بها ، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان ! ( بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا ) حتى ينتهوا بها إلى السماء ، فيستفتحون له ، فلا يفتح له . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ … } " الآية - قال ابن كثير : هكذا رواه . وهو قطعة من حديث طويل ، رواه الإمام أحمد مطولاً وأبو داود والنسائي وابن ماجة من طرق . تنبيهات الأول : قال الشهاب : كون السماء لها أبواب ، وأنها تفتح للدعاء الصالح ، وللأعمال الصاعدة ، أو للأرواح - وارد في النصوص القرآنية ، والأحاديث النبوية ، فلا حاجة إلى تأويل . انتهى . وهذا على قاعدة أهل الظاهر في مثل ذلك ، إلا أن الإطلاق لا ينحصر في الحقيقة . والتنزيل الكريم ، إنما ورد على مناحٍ للعرب معروفة في لسانهم - والله أعلم . الثاني : التضعيف في ( تفتح ) لتكثير المفعول ، لا الفعل ، لعدم مناسبة المقام . الثالث : قرئ بالتخفيف في ( تفتح ) وبالتخفيف ، والياء ، وقرئ على البناء للفاعل ، ونصب الأبواب ، على أن الفعل للآيات مجازاً ، وبالياء على أنه لله تعالى . { وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ } أي : يدخل : { ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ } أي : ثقب الإبرة ، وهو غير ممكن ، فكذا دخولهم . لطائف الأول : قرأ الجمهور ( الجَمَل ) بفتح الجيم والميم ، وفسروه : بأنه الجمل المعروف وهو البعير . قال الفراء : الجمل زوج الناقة . وقال شمر : البكر والبكرة بمنزلة الغلام والجارية ، والجمل والناقة بمنزلة الرجل والمرأة . وقرئ في الشواذ ( الجُمَّل ) كسكَّر وصُرد وقُفْل وعُنُق وجَبْل بمعنى حبل السفينة الغليظ الذي يقال له : ( القَلْس ) . وقال أبو البقاء : يقرأ في الشاذ بسكون الميم ، والأحسن أن يكون لغة ؛ لأن تخفيف المفتوح ضعيف ؛ ويقرأ بضم الجيم وفتح الميم وتشديدها ، وهو الحبل الغليظ ، وهو جمع مثل صُوَّم وقُوَّم ، ويقرأ بضم الجيم والميم مع التخفيف وهو جمع مثل أسَد وأُسُد ؛ ويقرأ كذلك إلا أن الميم ساكنة ، وذلك على تخفيف المضموم - انتهى . وذكر الكواشي أن القراءات المذكورة كلها لغات في البعير ، ما عدا " جُمَّلاً " كسكَّر وقُفْل ، ونوقش في ذلك - انتهى . وقراءته ( كسكّر ) على معنى الحبل المذكور ، رواها مجاهد وعكرمة عن ابن عباس ، واختارها سعيد بن جبير . قال الزمخشري : وعن ابن عباس رضي الله عنه ، أن الله أحسن تشبيهاً من أن يشبه بالجمل ، يعني : أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سم الإبرة ، والبعير لا يناسبه . إلا أن قراءة العامة أوقع ؛ لأن سمّ الإبرة مثل في ضيق المسلك ، يقال : أضيق من خَرْتِ الإبرة . وقالوا للدليل الماهر ( خِرِّيت ) للإبتداء به في المضايق المشبهة بأَخْرات الإبر ؛ والجملُ مثل في عظم الجرم ، قال : @ * جسم الجمال وأحلام العصافير * @@ إن الرجال ليسوا بجَزَر تراد منهم الأجسام ، فقيل : لايدخلون الجنة حتى يكون ما لا يكون أبداً من ولوج هذا الحيوان ، الذي لا يلج إلا في باب واسع ، في ثقب الإبرة . وعن ابن مسعود : أنه سئل عن الجمل ؟ فقال : زوج الناقة ، استجهالاً للسائل ، وإشارة إلى أن طلب معنى آخر تكلفٌ - انتهى . وحاصله : أن الجمل لما كان مثلاً في عظم الجسم ، لأنه أكبر الحيوانات جسماً عند العرب ، وخرق الإبرة مثلاً في الضيق ، ظهر التناسب . على أن في إيثار الجمل ، وهو مما ليس من شأنه الولوج في سم الإبرة ، مبالغة في استبعاد دخولهم الجنة . الثانية : ( السَّم ) : الثقب الضيق . قال أبو البقاء : بفتح السين وضمها ، لغتان - انتهى وصرح بالتثليث فيه ، وفي القاتل المعروف ، صاحبُ القاموس وغيره ، إلا أنهم قالوا : المشهور في الثقب الفتح كما في التنزيل . والأفصح في القاتل الضم . قال العلامة الفاسيّ : قال الزبيديّ : لم أر من تعرض لكسرهما ، وكأنها عامية . قلت : قال الزمخشريّ : وقرئ ( فِي سَمَّ الْخِيَاطِ ) بالحركات الثلاث ، وكفى به مرجعاً . الثالثة : ( الخِياط ) ككتاب ومنبر ، ما خيط به الثوب ، والإبرة - كذا في القاموس - قال الزمخشريّ : وقرأ عبد الله ( في سم المخيط ) . قال الشهاب : بكسر الميم وفتحها ، كما ذكره المُعْرِب ، وهي قراءة شاذة . الرابعة : قال السيوطي في ( الإكليل ) : في قوله تعالى : { حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ … } الخ ، جواز فرض المحال ، والتعليق عليه كما يقع كثيراً للفقهاء - انتهى . والتعليق على المحال معروف في كلام العرب ، كقوله : @ إذا شابَ الغرابُ أتيتُ أهلي وصار القارُ كاللَّبَنِ الحَلِيبِ @@ وقوله تعالى : { وَكَذٰلِكَ } أي : مثل ذلك الجزاء الفظيع { نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ } .