Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 59-59)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } اعلم أن الله تعالى ، لما ذكر في أول السورة قصة آدم ، وما اتصل بها من آثار قدرته ، وغرائب صنعته الدالة على توحيده وربوبيته ، وأقام الحجة الدامغة على صحة البعث بعد الموت - أتبع ذلك بقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وما جرى لهم مع أممهم . قال الرازيّ : وفيه فوائد : أحدها : التنبيه على أن إعراض الناس عن قبول هذه الدلائل والبينات ، ليس من خواص قوم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بل هذه العادة المذمومة كانت حاصلة في جميع الأمم السالفة ، والمصيبة إذا عمت خفت ، فكان ذكر قصصهم ، وحكاية إصرارهم وعنادهم ، يفيد تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتخفيف ذلك على قلبه . ثانيها : أنه تعالى يحكي في هذه القصص أن عاقبة أمر أولئك المنكرين كان إلى اللعن في الدنيا ، والخسارة في الآخرة ، وعاقبة أمر المحقين إلى الدولة في الدنيا ، والسعادة في الآخرة ، وذلك يقوي قلوب المحقين ، ويكسر قلوب المبطلين . وثالثها : التنبيه على أنه تعالى ، وإن كان يمهل هؤلاء المبطلين ، ولكنه لا يهملهم ، بل ينتقم منهم على أكمل الوجوه . ورابعها : بيان هذه القصص دالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان أميًّا ، وما طالع كتاباً ، ولا تلمذ أستاذاً . فإذا ذكر هذه القصص على الوجه من غير تحريف ولا خطأ ، دلّ ذلك على أنه إنما عرفها بالوحي من الله تعالى . ونوح عليه السلام هو ابن لامَكَ بن مَتُوشَالَحَ بن أخْنوخَ بن يَارَدَ بن مَهلَئِيل بن قَيْنانَ بن أنُوشَ بن شيث بن آدم عليه السلام ، هكذا نسبه ابن إسحاق وغير واحد من الأئمة ، وأصله من التوراة . ومعنى { أَرْسَلْنَا } : بعثنا ، وهو أول نبي بعثه الله بعد إدريس ، كذا في ( اللباب ) . وإدريس هو أخنوخ - فيما يزعمون ، قاله ابن كثير - قال محمد بن إسحاق : ولم يلق نبي من قومه من الأذى مثل نوح ، إلا نبي قتل ، وقال يزيد الرقاشي : إنما سمي نوحاً لكثرة ما ناح على نفسه - انتهى . وفيه نظر ؛ لأنه إنما يصح ما ذكره ، لو كان ( نوح ) لقباً مع وجود اسم له غيره ، واللفظ عربيًّا ، لمناسبة الاشتقاق . أما وهو اسمه الوضعيّ ، واللفظ غير عربيّ ، فلا . وفي كتاب ( تأويل الأسماء الواقعة في الكتب السالفة ) أن نوحاً معناه : راحة أو سلوان ، فتثبَّتْ . وكان ، قبل بعثة نوح عليه السلام ، قوم عرفوا الله وعبدوه خصوصاً في عائلة شيث عليه السلام ، ثم فسد نسل شيث أيضاً ، واختلطوا مع الأشرار ، وامتلأت الأرض من جرائمهم ، وزاغوا عن الصراط المستقيم ، وصاروا يعبدون الأوثان والأصنام ، فأرسل الله تعالى إليهم نوحاً عليه السلام ، ليدلهم على طريق الرشاد . قال ابن كثير : قال عبد الله بن عباس وغير واحد من علماء التفسير : كان أول ما عبدت الأصنام أن قوماً صالحين ماتوا ، فبنى قومهم عليهم مساجد ، وصوروا صور أولئك فيها ، ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم . فلما طال الزمان جعلوا أجساداً على تلك الصور ، فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين : ودًّا وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً ، فلما تفاقم الأمر بعث الله سبحانه - وله الحمد والمنة - رسوله نوحاً فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له : { فَقَالَ يَاقَوْمِ } أي : الذين حقهم أن يشاركوني في كمالاتي { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ } أي : مستحق للعبادة في الوجود { غَيْرُهُ } قرئ بالحركات الثلاث ، فالرفع صفة لإله ، باعتبار محله الذي هو الرفع على الابتداء أو الفاعلية ، وبالجر على اللفظ ، وبالنصب على الاستثناء ، وحكم ( غير ) ، حكم الاسم الواقع بعد ( إلا ) ، أي : ما لكم من إله إلا إياه { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ } أي : إن تركتم عبادته أو عبدتم غيره . { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } هو يوم القيامة إذا لقيتم الله وأنتم مشركون به ، أو يوم نزول العذاب عليهم ، وهو الطوفان . ووصف اليوم بـ ( العظم ) لبيان عظم ما يقع فيه ، وتكميل الإنذار . قال الزمخشريّ : فإن قلت : فما موقع الجملتين بعد قوله : { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } قلت : الأولى : بيان لوجه اختصاصه بالعبادة ، والثانية : بيان للداعي إلى عبادته ؛ لأنه هو المحذور عقابه ، دون ما كانوا يعبدونه من دون الله .