Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 64-64)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَكَذَّبُوهُ } أي : أصروا على تكذيبه ، مع طول مدة إقامته فيهم ولم يؤمن معه منهم إلا قليل { فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ } أي : عن الحق ، فلم يستبصروا الحق ولم يستنيروا بنور الوحي الذي هو كالشمس ، ولا بظهور الآيات ، ولا بآية الطوفان المغرق لهم ، بعد إنذاره به ، على تكذيبهم ، والعمى : ذهاب بصر العينين ، وبصر القلب . يقال : عَمي فهو أعمى وعَمٍ . كما في القاموس . وكان من أمر نوح عليه السلام ، أن قومه ، لما أعرضوا عن الإيمان ، وتمادوا على العصيان ، وعبادة الأوثان ، وطال عليه أمرهم ، شكاهم إلى الله تعالى ، فأوحى الله إليه أنه { لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [ هود : 36 ] ، وهم ناس قليل ، فحينئذ دعا عليهم فقال : { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] فأوحى الله إليه أن يصنع السفينة ، وصار قومه يسخرون منه ، ويقولون : يا نوح ؛ قد صرت نجاراً بعد النبوة ! فقال : { إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } [ هود : 38 - 39 ] . فلما فرغ من صنع السفينة ، أمره الله تعالى أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين من أنواع الحيوانات ، حتى لا ينقطع نسلها . وحشرها إليه من كل جهة . ولما رأى فوران التنور ، وكان هو العلامة بينه وبين الله تعالى في ابتداء الطوفان ، ركب الفلك هو ومن آمن معه ، وحمل من كلّ زوجين اثنين ، وأمر الله تعالى السماء أن تمطر ، والأرض أن تتفجر عيوناً ، وارتفع الماء في هذا الطوفان رؤوس الجبال ، فهلك جميع ما على الأرض من جنس الحيوان ، ولم يبق حيًّا غير أهل السفينة . وفي التوراة : أن الأمطار هطلت أربعين يوماً وليلة دون انقطاع ، حتى غمرت المياهُ وجه الأرض ، وعلت خمسة عشر ذراعاً فوق الجبال الشامخة ، وهلك بالطوفان كل جسم حي . ثم أرسل الله ريحاً عاصفة ، فانقطعت الأمطار ، ونقصت المياه شيئاً فشيئاً ، وقضى نوح سنة كاملة داخل الفلك . وحين خروجه منه بنى مذبحاً للقرابين ، شكراً لله تعالى ، وتناسلت الناس من أولاد نوح الثلاثة : سام وحام ويافث . وتوطن سام بلاد آسية ، وأقام حام بنواحي إفريقية ، وسكن يافث الديار الأوروبية - والله أعلم . تنبيه قال الجشميّ : في الآيات فوائد . منها : أن نوحاً دعاهم أولاً إلى التوحيد . والرسولُ ، وإن حمل الشرائع ، فلا طريق له إلى بيان الشرائع إلا بعد العلم بالتوحيد . ولأنهم لا ينتفعون بذلك إلا بعد اعتقاد التوحيد ، فلذلك بدأ به . وجميع الرسل بدؤوا بالتوحيد ثم بالشرائع . ولذلك كان أكثر حجاج نبينا عليه السلام بمكة ، في التوحيد - انتهى . وقال ابن كثير : بيّن تعالى في هذه القصة أنه انتقم لأوليائه من أعدائه ، وأنجى رسوله والمؤمنين ، وأهلك أعداءهم الكافرين ، كقوله : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [ غافر : 51 ] - وهذه سنة الله في عباده ، في الدنيا والآخرة ، أن العاقبة للمتقين ، والظفر والغلب لهم ، كما أهلك قوم نوح بالغرق ، ونجى نوحاً وأصحابه المؤمنين . قال مالك عن زيد بن أسلم : كان قوم نوح قد ضاق بهم السهل والجبل . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما عذب الله قوم نوح إلا والأرض ملأى بهم ، وليس بقعة من الأرض إلا ولها مالك وحائز .