Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 25-27)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } أي : غاية تطول مدتها . { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } أي : حرساً من الملائكة يحفظونه من تخاليط الشياطين ووساوسهم ، حتى يبلغ ما أمر به من غيبه ووحيه . قال القاشاني : { رَصَداً } أي : حفظة إما من جهة الله التي إليها وجهه ، فروح القدس والأنوار الملكوتية والربانية . وإما من جهة البدن ، فالملكات الفاضلة والهيآت النورية الحاصلة من هياكل الطاعات والعبادات ، يحفظونه من تخبيط الجن ، وخلط كلامهم من الوساوس والأوهام والخيالات بمعارفها اليقينية ، ومعانيها القدسية ، والواردات الغيبية ، والكشوف الحقيقية . انتهى . تنبيه قال الزمخشري : يعني : أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي هو مصطفى للنبوة خاصة ، لا كل مرتضى . قال : وفي هذا إبطال للكرامات ؛ لأن الذين تضاف إليهم ، وإن كانوا أولياء مرتضين ، فليسوا برسل ، وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب ، وإبطال الكهانة والتنجيم ؛ لأن أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط . انتهى . وأجاب أبو السعود بأن معنى الآية : فلا يطلع على غيبه اطلاعاً كاملاً ينكشف به جلية الحال انكشافاً تاماً موجباً لعين اليقين ، أحداً من خلقه ، إلا من ارتضى من رسول . أي : إلا رسولا ارتضاه لإظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته ، كما يعرب عنه بيان { ٱرْتَضَىٰ } بالرسول تعلقاً تاماً ، إما لكونه من مبادئ رسالته بأن يكون معجزة دالة على صحتها ، وإما لكونه من أركانها وأحكامها كعامة التكاليف الشرعية التي أمر بها المكلفون ، وكيفيات أعمالهم ، وأجزيتها المترتبة عليها في الآخرة ، وما تتوقف هي عليه من أحوال الآخرة التي من جملتها قيام الساعة والبعث ، وغير ذلك من الأمور الغيبية التي بيانها من وظائف الرسالة . وأما ما لا يتعلق بها على أحد الوجهين من الغيوب ، التي من جملتها قيام الساعة ، فلا يظهر عليه أحداً أبداً . على أن بيان وقته مُخِلٌّ بالحكمة التشريعية التي عليها يدور فلك الرسالة . وليس فيه ما يدل على نفي كرامات الأولياء المتعلقة بالكشف . فإن اختصاص الغاية القاصية من مراتب الكشف بالرسل ، لا يستلزم عدم حصول مرتبةٍ ما من تلك المراتب لغيرهم أصلاً ، ولا يدعي أحد لأحد من الأولياء ما في رتبة الرسل عليهم السلام من الكشف الكامل الحاصل بالوحي الصريح . انتهى . وملخصه : تقييد الغيب بما هو معجزة أو من وظائف الرسالة . وهكذا نحا النسفي في الجواب ، مع بيان الفارق وعبارته : أي : إلا رسولاً قد ارتضاه لعلم بعض الغيب ليكون إخباره عن الغيب معجزة له ، فإنه يطلعه على غيبه ما شاء : و { مِن رَّسُولٍ } بيان لـ { مَنِ ٱرْتَضَىٰ } . والولي إذا أخبر بشيء فظهر ، فهو غير جازم عليه ، ولكنه أخبر بناء على رؤياه ، أو بالفراسة . على أن كل كرامة للولي فهي معجزة للرسول . انتهى . وقال الرازي : وعندي أن الآية لا دلالة فيها على شيء مما قالوه - يعني الزمخشري ومن تابعه - والذي تدل عليه أن قوله : { عَلَىٰ غَيْبِهِ } ليس فيه صيغة عموم ، فيكفي في العمل بمقتضاه ألا يظهر تعالى خلقه على غيب واحد من غيوبه ، فنحمله على وقت وقوع القيامة ، فيكون المراد من الآية أنه تعالى لا يظهر هذا الغيب لأحد ، فلا يبقى في الآية دلالة على أنه لا يظهر شيئاً من الغيوب لأحد . قال : والذي يؤكد هذا التأويل أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية عقيب قوله : { إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } يعني : لا أدري وقت وقوع القيامة . ثم قال بعده : { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } أي : وقت وقوع القيامة من الغيب الذي لا يظهره الله لأحد . وبالجملة فقوله : { عَلَىٰ غَيْبِهِ } لفظ مفرد مضاف ، فيكفي في العمل به حمله على غيب واحد . فأما العموم فليس في اللفظ دلالة عليه . فإن قيل : فإذا حملتم ذلك على القيامة ، فكيف قال : { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } مع أنه لا يظهر هذا الغيب لأحد من رسله ؟ قلنا : بل يظهره عند القرب من إقامة القيامة ، وكيف لا وقد قال : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } [ الفرقان : 25 ] ولا شك أن الملائكة يعلمون في ذلك الوقت قيام القيامة . وأيضاً يحتمل أن يكون هذا الاستثناء منقطعاً ، كأنه قال : عالم الغيب فلا يظهر على غيبه المخصوص ، وهو يوم القيامة أحداً . ثم قال بعده : لكن من ارتضى من رسول ، فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه حفظة يحفظونه من شر مردة الإنس والجن ؛ لأنه تعالى إنما ذكر هذا الكلام جواباً لسؤال من سأله عن وقت وقوع القيامة على سبيل الاستهزاء به ، والاستحقار لدينه ومقالته . وملخصه : تخصيص الغيب بوقت وقوع القيامة بدلالة السياق ، والرسول بالملك . وناقشه في العناية بأن المرضيّ حمل الرسول على المتعارف لدلالة السباق والسياق عليه . هذا ، ونقل النسفي عن التأويلات ما مثاله : قال بعضهم : في هذه الآية تكذيب المنجمة وليس كذلك ، فإن فيهم من يصدق خبره ، وكذلك المتطببة فإنهم يعرفون طبائع النبات ، وذا لا يعرف بالتأمل ، فعلم بأنهم وقفوا على علمه من جهة رسول انقطع أثره ، وبقي علمه في الخلق . انتهى . وهذا الجواب يلجأ إليه المتفقهة زعماً بأن معرفة مواقيت الكسوف وخواص المفردات مما يشمله علم الغيب . والصواب عدم شموله لمثله ، لأنه مما يتيسر للناس أن يعرفوه بالنظر والاستدلال والتجربة والبحث ، كالعلوم الرياضية والطبيعية والزراعية والصنائع والهيئة الفلكية . وبالجملة فكل ما يمكن للإنسان أن يصل إليه بنفسه لا يكون من الغيب في شيء . ولذا قال بعض الحكماء : لو كان من وظيفة النبي أن يبين العلوم الطبيعية والفلكية ، لكان يجب أن تعطل مواهب الحس والعقل ، وينزع الاستقلال من الإنسان ، ويلزم بأن يتلقى كل فرد من كل شيء بالتسليم ، ولوجب أن يكون عدد الرسل في كل أمة كافيا لتعليم أفرادها في كل زمن ما يحتاجون إليه من أمور معاشهم ومعادهم . وإن شئت فقل : لوجب ألا يكون الإنسان هذا النوع الذي نعرفه . نعم ، إن الأنبياء ينبهون الناس بالإجمال إلى استعمال حواسهم وعقولهم في كل ما يزيد منافعهم ومعارفهم التي ترتقي بها نفوسهم ، ولكن مع وصلها بالتنبيه على ما يقوي الإيمان ويزيد في العبرة . وقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى وجوب استقلالنا دونه في مسائل دنيانا في واقعة تأبير النخل إذ قال : " أنتم أعلم بأمور دنياكم " انتهى . فاحفظه فإنه من المضنون به على غير أهله . وقوله تعالى : { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ … } .