Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 1-7)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } أي : المتلفف بثيابه لنوم أو استدفاء ، من الدثار ، وهو كل ما كان من الثياب فوق الشعار . والشعار : الثوب الذي يلي الجسد . وأصله : ( المتدثر ) فأدغم . خوطب بذلك لحالته التي كان عليها وقت نزول الوحي . أو لقوله : " دثروني " كما تقدم - . وقيل معناه : المدثر بدثار النبوة والرسالة ، من قولهم : ألبسه الله لباس التقوى ، وزينه برداء العلم . ويقال : تلبس فلان بأمر كذا . فجعل النبوة كالدثار واللباس مجازاً . قال الشهاب : إما أن يراد المتحلي بها والمتزين ، كما أن اللباس الذي فوق الشعار يكون حلية لصاحبه وزينة . وكذا يسمى ( خلة ) . والتشبيه بالدثار في ظهورها ، أو في الإحاطة والأول أتم . { قُمْ } أي : من مضجعك ودثارك . أو قيام عزم وجد { فَأَنذِرْ } أي : فحذر قومك من العذاب إن لم يؤمنوا . قال الشهاب : لم يقل : { وَبَشِّرِ } لأنه كان في ابتداء النبوة ، والإنذار هو الغالب ، لأن البشارة لمن آمن ، ولم يكن إذ ذاك . أو هو اكتفاء لأن الإنذار يلزمه التبشير . { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } قال ابن جرير : أي فعظم بعبادته ، والرغبة إليه في حاجاتك ، دون غيره من الآلهة والأنداد . وقال القاشانيّ : أي : إن كنت تكبر شيئاً وتعظم قدره ، فخصص ربك بالتعظيم والتكبير ، لا يعظم في عينك غيره ، ويصغر في قلبك كل ما سواه ، بمشاهدة كبريائه . { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } أي : بالماء من الأنجاس . قال ابن زيد ، كان المشركون لا يتطهرون ، فأمره أن يتطهر ويطهر ثيابه . وقيل : هو أمر بتطهير القلب مما يستقذر من الآثام . قال قتادة : العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دنس الثياب . وإذا وفى وأصلح ، قالوا : مطهر الثياب . وعن ابن عباس : أي لا تلبسهما على معصية ، ولا على غدرة . ثم أنشد لغيلان بن سلمة الثقفي : @ وإني ، بحمد الله ، لا ثوب فاجر لبست ، ولا من غَدْرةٍ أَتَقَنَّعُ @@ وفي الوجه الأول بقاء لفظي الثياب والتطهير على حقيقتهما ، وفي الثاني تجوز بهما . وبقي وجه ثالث ، وهو حمل الثياب على حقيقتها ، والتطهير على مجازه ، وهو التبصير . لأن العرب كانوا يطيلون ثيابهم ، ويجرون أذيالهم خيلاء وكبراً ، فأمر بمخالفتهم . ورابع وهو عكس هذا ، وذلك ، بحمل الثياب على الجسد أو النفس كناية ، كما قال عنترة : @ * فشككت بالرمح الأصمِّ ثيابَهُ * @@ أي : نفسه . ولذا قال : @ * ليس الكريم على القنا بِمُحَرَّم * @@ واستصوب ابن الأثير في ( المثل السائر ) الوجه الأول : قال في الفصل الثالث من فصول مقدمته : اعلم أن الأصل في المعنى أن يحمل على ظاهر لفظه ، ومن يذهب إلى التأويل يفتقر إلى دليل كقوله تعالى : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } فالظاهر من لفظ الثياب هو ما يلبس . ومن تأول ، ذهب إلى أن المراد هو القلب ، لا الملبوس . وهذا لا بد له من دليل ، لأنه عدول عن ظاهر اللفظ . ثم قال : المعنى المحمول على ظاهره لا يقع في تفسيره خلاف . والمعنى المعدول عن ظاهره إلى التأويل يقع فيه الخلاف ، إذ باب التأويل غير محصور ، والعلماء متفاوتون في هذا ، فإنه قد يأخذ بعضهم وجهاً ضعيفاً من التأويل ، فيكسوه بعبارته قوة تميزه عن غيره من الوجوه القوية ، فإن السيف بضاربه : @ إن السيوف مع الذين قلوبهم كقلوبهن ، إذا التقى الجمعان تلقى الحسام على جراءة حدِّه مثَل الجبان بكفِّ كل جبان @@ انتهى . ويكفي دليلاً ما للعرب من الشواهد والأمثال . والاستعمال لا ينحصر في الحقيقة . نعم ، المتبادر أولى وأجدر ، وهو عنوان الحقيقة . وقوله تعالى : { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } أي : اتركه . وَ { ٱلرُّجْزَ } بكسر الراء كالرجس والسين والزاي يتبادلان ، لأنهما من حروف الصفير . و ( الرجس ) اسم للقبيح المستقذر . كني به عن عبادة الأوثان خاصة ، لقوله : { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [ الحج : 30 ] أو عن كل ما يستكره من الأفعال والأخلاق والجملة من جوامع الكلم في مكارم الأخلاق ، كأنه قيل : اهجر الجفا والسفه وكل قبيح ، ولا تتخلق بأخلاق هؤلاء المشركين المستعملين للرجز . وقيل : المراد بالرجز : العذاب ، وهجره كناية عن هجر ما يؤدي إليه من الشرك والمعاصي . فالرجز مجاز ، وقد أقيم مقام سببه . أو هو بتقدير مضاف ، أي : أسباب الرجز . أو التجوز بالتشبيه . وقرئ بضم الراء ، وهو لغة في المكسور ، وهما بمعنى ، وهو العذاب . وعن مجاهد أنه بالضم بمعنى الصنم ، وبالكسر العذاب . وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك ، وهو بريء منه ، إما أمر لغيره تعريضاً ، أو المراد الدوام على هجره . { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } أي : لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها ، بمعنى : لا تعط شيئاً لتعطى أكثر منه . يقال : مننت فلاناً كذا ، أي : أعطيته . كما قال : { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ } [ ص : 39 ] أي : فأعط أو أمسك . وأصله أن من أعطى فقد من ، فسميت العطية بالمن على سبيل الاستعارة . وجوّز القَفَّالُ أن يكون الاستكثار عبارة عن طلب العوض كيف كان زائداً أو مساوياً . قال : وإنما حسنت هذه الاستعارة ؛ لأن الغالب أن الثواب يكون زائداً على العطاء . فسمي طلب الثواب استكثاراً حملاً للشيء على أغلب أحواله . وهذا كما أن الأغلب أن المرأة إنما تتزوج ، ولها ولد للحاجة إلى من يربي ولدها ، فسمي الولد ربيباً . ثم اتسع الأمر ، فسمي ربيباً ، وإن كان حين تتزوج أمه كبيراً . وسر النهي أن يكون العطاء خالياً عن انتظار العوض ، والتفات النفس إليه تعففاً وكمالاً وعلو همة . وقيل : معنى الآية لا تعط عطاء مستكثراً له ، فإن مكارم الأخلاق استقلال العطاء ، وإن كان كثيراً ، فالسين للعد والوجدان . وسبق في سورة الروم في قوله تعالى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } [ الروم : 39 ] كلام في هذه الآية أيضاً فارجع إليه . { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ } أي : على أذى المشركين .