Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 20-26)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } أي : الدلالة الكبرى على أنه لله رسول أرسله إليه . والفاء فصيحة تفصح عن جملٍ قد طويت ، تعويلاً على تفصيلها في السور الأخرى . أي : فذهب وبلغ ورجع وتُحدِّىَ ، فأراه الآية الكبرى . وهي على ما قاله مجاهد ، عصاه ويده . أي عصاه إذ تحولت ثعباناً مبينا . ويده إذ أخرجها بيضاء للناظرين . وإفرادهما لأنهما كالآية الواحدة في الدلالة . أو هي العصا لأنها كانت المقدمة والأصل . والبقية كالتبع . قيل : وكونها كبرى باعتبار معجزات مَن قبله من الرسل . أو هو للزيادة المطلقة { فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ } أي : فكذب فرعون موسى فيما أتاه من الآيات المعجزة ، ودعاها سحراً ، وعصاه فيما أمره به من طاعة ربه وخشيته إياه { ثُمَّ أَدْبَرَ } أي : أعرض عما هدي إليه . أو انصرف عن المجلس كبراً { يَسْعَىٰ } أي : يجد في معارضة الآية بالمكايد الشيطانية والحيل النفسانية . أو أدبر بعد ما رأى الثعبان مرعوباً مسرعاً في مشيه { فَحَشَرَ } أي : جمع السحرة ، أو قومه وأتباعه { فَنَادَىٰ } أي : في المجمع بنفسه أو بمناد { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } أي : على كل ما يلي أمركم . وفي ( التنوير ) : أي أنا ربكم ورب أصنامكم الأعلى فلا تتركوا عبادتها . قال القاضي : وقد كان الأليق به ، بعد ظهور خزيه عند انقلاب العصا حية ، ألا يقول هذا القول ؛ لأن عند ظهور الذلة والعجز كيف يليق أن يقول : { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } ؟ فدلت هذه الآية على أنه في ذلك الوقت صار كالمعتوه الذي لا يدري ما يقول . انتهى . وهذا على أنه أراد بالرب الخالق والموجد . والظاهر أن مراده ذو السلطان الأعلى والنفوذ الأقوى . وأنه الذي يستأهل الطاعة دون غيره . ولا يخفى ما فيه من جحود قدرة الله تعالى التي هي فوق قدرته ، والكفر بآية موسى والصد عن دعوته . ولذا أخذ أشد الأخذ . فإنه لم يزل في عتوه حتى تبع موسى وقومه إلى البحر الأحمر عند خروجهم من مصر ، فأغرقه الله تعالى في البحر . وهو معنى قوله تعالى : { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } أي : عذبه عذابهما . أي أن أخذه لم يكن مقصوراً على الإغراق وحده ، بل نكل به وعذبه عذاب يوم القيامة . و { نَكَالَ } مفعول مطلق لـ ( أخذ ) بتأويل في الأول أو في الثاني ، والإضافة من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة . وقيل : الآخرة هي قوله : { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } والأولى هي تكذيبه موسى حين أراه الآية . قال القفال : وهذا كأنه هو الأظهر . لأنه تعالى قال : { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ * فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ * فَحَشَرَ فَنَادَىٰ * فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } فذكر المعصيتين ثم قال : { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } فظهر أن المراد أنه عاقبه على هذين الأمرين . انتهى . وما ذكره القفال كان وقع في قلبي قبل أن أراه . وأراني في إيثار له . ثم ختم تعالى القصة بقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } أي : في أخذه وما أحل به من العذاب والخزي ، عظة ومعتبراً لمن يخاف الله ويخشى عقابه ، ويعلم أن هذه سنته في كل من يقاوم الحق ويحاربه . فإن نبأ الأولين عبرة للآخرين .