Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 36-36)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ } نزلت فيمن ينفق على حرب النبيّ صلى الله عليه وسلم من المشركين ، وبيان سوء مغبة هذا الإنفاق ، وقد ذهب الضحاك إلى أنه عنى بها المطعمون منهم يوم بدر ، وكانوا اثني عشر رجلاً من قريش ، يطعم كل واحد منهم ، كل يوم ، عشر جزر . وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم أنها نزلت في أبي سفيان ، ونفقته الأموال في ( أُحُد ) لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم . روى محمد بن إسحاق عن الزهريّ أنه لما أصيب قريش يوم بدر ، ورجع فلّهم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بِعِيرِهِ ، مشى رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر ، فكلموا أبا سفيان ، ومن كانت له في تلك العير تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمداً قد وتركم ، وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه ، لعلنا أن ندرك منه ثأراً بمن أصيب منا ، ففعلوا . قال : ففيهم ، كما ذكر عن ابن عباس ، أنزلت الآية . ولا يخفى شمول الآية لجميع ذلك . واللام في { لِيَصُدُّواْ } لام الصيرورة ، ويصح أن تكون للتعليل ؛ لأن غرضهم الصدر عما هو سبيل الله بحسب الواقع ، وإن لم يكن كذلك في اعتقادهم . وسبيل الله طريقه وهو دينه ، واتباع رسوله . ولما تضمن الموصول معنى الشرط ، والخبر بمنزلة الجزاء ، وهو { فَسَيُنفِقُونَهَا } اقترن بالفاء . و ( ينفقون ) إما حال ، أو بدل من { كَفَرُواْ } . وفي تضمن الجزاء من معنى الإعلام والإخبار ، التوبيخ على الإنفاق ، والإنكار عليه ، كما في قوله تعالى : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [ النحل : 53 ] . وفي تكرير الإنفاق في شبه الشرط والجزاء ، الدلالة على كمال سوء الإنفاق ، كما في قوله : { إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } [ آل عمران : 192 ] . وقولهم : من أدرك الصَّمَّان فقد أدرك المرعى . والمعنى : الذين ينفقون أموالهم لإطفاء نور الله ، والصدّ عن اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، سيعلمون عن قريب سوء مغبة ذلك الإنفاق ، وانقلابه إلى أشد الخسران ، من القتل والأسر في الدنيا ، والنكال في العقبى : قال المتنبي : @ إذا الجودُ لم يُرْزَقْ خلاصاً من الأذى فَلا الحمد مكسوباً ولا المالُ باقِياً @@ ( والأذى هنا المنّ ) . وفي جعل ذات الأموال تصير { حَسْرَةً } أي : ندماً وتأسفاً - وهي عاقبة أمرها - مبالغة . والمراد بالغلبة في قوله : { ثُمَّ يُغْلَبُونَ } الغلبة التي استقر عليها الأمر ، وإن كان الحرب بينهم سجالاً قبل ذلك . فإن قلت : غلبة المسلمين متقدمة على تحسرهم ، بالزمان ، فلم أخرت بالذكر ؟ قلت : المراد أنهم يغلبون في مواطن أخر بعد ذلك . كذا في ( العناية ) . تنبيه قال بعضهم : ثمرة الآية خطر المعاونة على معصية الله تعالى ، وأن الإنفاق في ذلك معصية ، فيدخل في هذا معاونة الظلمة على حركاتهم في البغي والظلم ، وكذلك بيع السلاح والكراع ، ممن يستعين بذلك على حرب المسلمين . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } .